رغم سوداويّة المشهد الحكومي تشي معطياتُ الساعات الأخيرة باحتمال حصول لقاء بين الرئيس المكلّف سعد الحريري والوزير جبران باسيل قريباً. ويلتقي الطرفان في ظلّ انقطاع جسور التواصل تماماً بين باسيل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وحتى مع أي من ممثليه.
عكسَ لقاءُ عين التينة بين بري وباسيل ولقاءُ بيت الوسط بين الحريري وجعجع من جهة أخرى عمقَ أزمة التأليف وليس حلحلتها.
«العهد» يتّهم الحريري بإدارة أذنه للخارج، وهذا كلام قيل صراحة أمام نواب «تكتل لبنان القوي» في إجتماعه الأخير، والحريري يجاهر: «رح يفرط العهد»!
كان لدى الرئيس المكلّف خلال عشاء بيت الوسط متّسع من الوقت ليحدّث ضيفيه جعجع والوزير ملحم الرياشي بحضور الوزير غطاس خوري عن «المحميّة» الطبيعية، التي ورثها عن والده، في البقاع الغربي في منطقة جب جنين وعن ثمارها الغنيّة منها الدراق الذي تذوّقه الحاضرون كـ «ضيافة بلدية» من «أرض الشيخ».
لكنّ «ثمار» مفاوضات تأليف الحكومة التي لم تظهر بعد شكّلت عنوان النقاش الأساس لجلسة بيت الوسط. وفق المعلومات، الحريري مستاء جداً من العرقلة ومن «أسلوب» تعاطي رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل معه لكن ليس الى درجة الاعتذار. «نفَسي طويل ولن أعتذر»…
خلال اللقاء عرض جعجع أمام الحريري مسارَ قبوله منذ البداية بـ «المعايير» التي تحدّث باسيل بنفسه عنها، مؤكّداً أنه «المسهّل الأوّل لولادة الحكومة لكن ليس لدرجة إلغاء ما نعتبره مكتسبات أساسية لـ «القوات»، مع أو من دون «تفاهم معراب»، وعلى رأسها الحقيبة السيادية».
وهذا ما أوصله جعجع في رسالة الى رئيس الجمهورية أمس. في جلسة بيت الوسط دانت «القوات» باسيل «من فمه»… والحريري، وفق المعلومات، كان مؤيّداً ومتفهّماً.
بلغة الأرقام والمعايير التي طرحها باسيل أعاد جعجع التأكيد «أنّ الأخذ بتفاهم معراب، وقبل أن يتبرّأ منه وزير الخارجية، أعطى «التيار الوطني الحر» 6 وزراء و»القوات» 6 والرئيس 3 وزراء»، مع تذكيره أنّ وزراء عون جلسوا طوال سنة ونصف على طاولة جبران وهذا ما سيفعلونه في الحكومة المقبلة».
وبمعيار نتائج الانتخابات النيابية التي قال باسيل إنّ كتلة «لبنان القوي» عكست من خلالها تمثيل 55% من أصوات المسيحيين، أكّد جعجع للحريري «أننا مشينا فيها، وترجمتها تعني حصول رئيس الجمهورية وباسيل على 8 وزراء بالحدّ الأقصى، فيما تحصل «القوات» إستناداً الى معيار باسيل على ثلث الأصوات أي خمسة وزراء»، مع «توضيح» من جانب جعجع بأنّ «القوات» حصدت نسبة 37% من أصوات المسيحيين في الدوائر الانتخابية التي خاضت فيها الانتخابات وليس 31%». والوزيران المسيحيان الباقيان يتوزّعان في هذه الحال بين «تيار المرده» ووزير مسيحي للحريري.
وإستناداً لمعيار وزير لكل أربعة نواب «تحصل «القوات» على أربعة وزراء، فيما كتلة العهد المؤلّفة من 28 نائباً تحصل على سبعة وزراء». وهي معادلة وافقت عليها معراب أيضاً.
آخر الكلام القواتي الذي أبلغه جعجع للحريري قبول معراب بأربعة وزراء مع حقيبة سيادية غير قابلة للنقاش طالما عون مصرّ على منصب نائب رئيس الحكومة، وإلّا المبادلة في حال التخلّي عنه. المعلومات تفيد في هذا السياق أنّ عون سمّى مسبَقاً شاغل هذا الموقع وأبلغه موافقته على تعيينه.
خَلص عشاء بيت الوسط الى معادلة وافق عليها الطرفان «لا مشاركة قواتية في الحكومة من دون حصول معراب على حقيبة سيادية أو موقع نائب رئبس الحكومة».
في اليوم التالي حطّ الرياشي في قصر بعبدا واضعاً عون في صورة مداولات لقاء بيت الوسط بعد أن إلتقى الرئيس، باسيل، صباحاً بحسب أوساط بعبدا. وإنّ رئيس الجمهورية، وفق المعلومات، كان واضحاً بالقول لـ»القوات»: «دبّروا حالكم بالسيادية مع الحريري، موقع نائب رئيس الحكومة من حصتي». هذا يعني، بالترجمة العملية، أنّ وصول تشكيلة وزارية تشمل منح حقيبة سيادية لـ «القوات» ستصطدم بعدم توقيع رئيس الجمهورية عليها!
وإشكالية الحقيبة السيادية المجيّرة لـ «القوات» تشكّل حاجزاً حقيقياً دفعت «القوات» الى الطلب من فريق العهد التصريح علناً ورسمياً بأنّ «حزب الله» وبري يرفضان إسنادها الى «قواتي» كما يروّج هذا الفريق و»عندها فليعلن الثنائي الشيعي موقفه من هذه المسألة». يأتي ذلك، في ظلّ تأكيد «القوات» أنّ بري أبلغ «القوّات» بعدم وجود فيتو شيعي على تسلّمها حقيبة سيادية».
ما يبدو ملفتاً في هذا السياق، تأكيد الدائرة المقرّبة من «حزب الله» «أنه لو دخلت كافة القوى السياسية الى الحكومة وبقيت «القوات» خارجها سيترجم ذلك في قاموس الأميركيين والسعوديين بأنها حكومة «حزب الله» وهذا لا يصبّ في مصلحتنا، وليس حبّاً بجعجع». وهذا كلام تردّد صداه في بيت الوسط في الأيام الماضية.
وفيما أشار مطّلعون الى لقاء قريب قد يتمّ بين الحريري وباسيل بغية كسر جمود التأليف، فإنّ الوجه الآخر للأزمة يتبدّى من خلال تقصّد باسيل قطع كل جسور التواصل مع «القوات»، فيما لم تنجح وساطات دخلت على الخط لتأمين لقاء ثنائي بين جعجع وباسيل برعاية رئاسية يدفع «القوات» باتّجاهه ويتجاهله باسيل وعون.