صحيح أن القوى السياسية نجحت في تطويق حادثة قبرشمون ووقف تمددها الى مناطق أخرى، وساعدها في ذلك سرعة الجيش والأجهزة الأمنية في الإمساك بالوضع على الأرض، وتوقيف متورطين في الاشتباك الذي أسفر عن استشهاد اثنين من مرافقي الوزير صالح الغريب، لكن الهزّات الارتدادية للحادث ستستمرّ لبعض الوقت، في ظلّ استمرار تباعد المرجعيتين الدرزيتين وليد جنبلاط وطلال أرسلان، وقطع كل خطوط الاتصال أو التواصل بين المختارة وخلدة.
لا يختلف اثنان على أن ما حصل خطير للغاية، وكاد يدفع الى انفجار لا تتوقف حممه عند حدود الجبل، بل تصيب الوطن بأسره، والمؤسف أن المصيبة وبدل أن تكون حافزاً لجمع القيادات وإفساح المجال أمام العقلاء لوضع أطر الحلّ، عززت الاصطفاف السياسي وتمترس كلّ حزب خلف حليفه، لنصرته ظالماً كان أو مظلوماً، مع علمهم المسبق أن البلد لا يتحمّل مزيداً من الجبهات، التي ترتّب على الجيش والمؤسسات الأمنية مسؤوليات أكبر من طاقتها، وانتشاراً أوسع من عديدها وعتادها لضبط الأمن وحماية الاستقرار ولجم أي توتر جديد.
وطالما أن الجرح الذي أصاب طلال أرسلان كان عميقاً للغاية، كان حزب الله واضحاً في الوقوف الى جانب حليفه، عبر مكوث الوزير محمود قماطي وقتاً طويلاً في خلدة الى جانب أرسلان، وتوجيه رسائل بالغة المعنى، بأن «زمن المليشيات ولّى الى غير رجعة»، ودعوته الصريحة الى تسليم الجناة الى العدالة، وهذا ما شكّل برأي مصادر مقرّبة من حزب الله تهدئة للنفوس واستيعاباً لردّات الفعل، وثبت معادلة أن الجبل كما أي منطقة لبنانية ليس مربعاً أمنياً لأي حزب أو طائفة أو مكوّن سياسي». وشددت المصادر على أن «الجبل له بوابات متعددة وليس بوابة المختارة فقط، ومن يقصده لا يحتاج الى تأشيرة دخول أو تصريح مسبق طالما أنه قطعة من جغرافيا الوطن، يكفل الدستور حق جميع اللبنانيين بزيارتها في أي مناسبة وتوقيت».
ورغم اختفاء الظواهر المسلّحة التي انتشرت يوم الحادثة وفي اليوم التالي، يبدو أن النفوس لن تستقرّ قبل أن تأخذ العدالة مجراها، ويقدّم كلّ الجناة الى القضاة، وبانتظار أن يستكمل النائب العام التمييزي بالإنابة القاضي عماد قبلان تحقيقاته في الحادث لكشف ملابسات ما حصل، في ظلّ الروايات المتضاربة التي يقدمها الطرفان، وتسجيلات الفيديو التي يوزعها الحزب الاشتراكي تارة والحزب اللبناني الديمقراطي تارة أخرى، لم يتوفّر جواب مقنع، بحسب مصادر «الديمقراطي اللبناني» عن «الأسباب التي تحول دون إحالة مجلس الوزراء هذه الجريمة على المجلس العدلي انفاذاً لقرارات مجلس الدفاع الأعلى الذي اعتبر أن ما حدث يهدد أمن الوطن، خصوصاً وأن المجلس العدلي بما يمثّل كأعلى هيئة قضائية في لبنان، يفترض أن يشكّل ضمانة للجميع، لكونه يتألف من أعلى قضاة الجمهورية، ويقطع الطريق على التشكيك بالقرارات والأحكام التي سيصدرها».
في هذا الوقت، قدّم مصدر سياسي مقرّب من رئيس الحكومة، الأسباب الموجبة لرفض الأخير إحالة القضية على المجلس العدلي، مؤكداً أن «ثمة توجه للقول إن ما حصل في قبرشمون مخطط له مسبقاً، والايحاء بأن نائباً سابقاً (وليد جنبلاط) دبّر لعملية اغتيال وزير في الحكومة (صالح الغريب) والباس الحادثة لبس القضية الوطنية». وقال المصدر إن الحريري «يصرّ على أن الحادث الأليم هو وليد اشكال فردي حصل في ساعته، ونحن قادرون على طي صفحته بأقل ضرر ممكن»، مشيراً في الوقت نفسه الى أن «هناك من يوحي بأن المجلس الأعلى للدفاع يتحوّل الى مجلس وزاري مصغّر، والقول أننا قادرون على فرط مجلس الوزراء وكأنه غير موجود». واعتبر المصدر المقرّب من رئيس الحكومة، أن «هذا الموضوع يهدد اتفاق الطائف، وكأن هناك من يوحي بأن هذا الاتفاق ومنذ ولادته في العام 1989 لم ينتج الا الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، وعلينا أن نبحث عن دستور جديد يضع حداً لكلّ هذه الأزمات».
ويبدو أن التوترات الأمنية لم تكن سبباً لادخال تعديلات على جدول زيارات رئيس التيار الوطني الحرّ الوزير جبران باسيل الى كلّ المناطق، حيث شددت مصادر التيار على أن باسيل «ارسى في جولاته سياسة الانفتاح على كلّ المكوّنات الأخرى، وهو مستمرّ في ذلك، لأن التيار الوطني الحرّ عابر للطوائف وليس حزباً مسيحياً فحسب»، مؤكدة أن باسيل «سيستكمل زيارته انطلاقاً من برنامج زيارته الى طرابلس، والحديث مع كلّ قيادات المدينة بلغة الحوار والتواصل والانفتاح، وعلى ثابتة بناء الدولة الفعلية، وليست دولة المزارع المذهبية».