Site icon IMLebanon

الحريري يُحاذر الإنحياز الى بري في قضيّة دورة 1994

 

عبثاً يفتش رئيس المجلس عن تبريرات تقنعه للتهريبة السياسية التي جرت لمرسوم الاقدمية بين بعبدا وبيت الوسط، وعدم توصّل بري لتفسيرات مرضية جعلته يبق البحصة في وجه رئيس الجمهورية، في سابقة هي الاقوى والاكثر صدى منذ التسوية السياسية الاولى بينهما، وبالمؤكد بعد التسوية الثانية التي اقرت بعد عودة الحريري عن الاستقالة، فرئيس المجلس حتى الساعة يعتبر انه تعرض «للغدر» والطعن من خلال المرسوم من جهتين، من جهة رئيس الجمهورية اولاً الذي ضرب بعرض الحائط المصالحة السياسية وسجل مخالفة دستورية بتمريرالمرسوم من دون توقيع وزير المال، ومن جهة رئيس الحكومة الذي «تنكر» لوفاء رئيس المجلس ودعمه الرئاسة الاولى في مهمة استرجاع الحريري من الرياض.هذه القناعة دفعت بري الى الهجوم باتجاه رئيس الجمهورية وفتح جبهة الرد على الرئيس عون مما اوحى ان بري اعطى اشارة انطلاق المعركة.

بدوره، رئيس الحكومة واقع في الحيرة نفسها او بالعامية «بين شاقوفين»، قلبه عند رئيس الجمهورية وعقله السياسي عند رئيس المجلس، فالحريري لا يرغب بضرب صدقية العهد امام الرأي العام ولذلك يحتسب مواقفه وما قد يصدر عنه، فأي موقف في غير محله وسياقه المناسب قد يؤذي الرئاسة في بعبدا، وفي الوقت ذاته، فان المستقبل لا يزال في صدد ترتيب بيته الداخلي واوراقه السياسية بعد اضرار الازمة السعودية عليه فضلا عن تدهور علاقاته بحلفاء سابقين له. ومن هنا فان رئيس الحكومة يحاذر خطواته حتى لا يقوم بخطوة ناقصة تجاه احدى الرئاستين، اذ لا يريد الغرق في وحول ازمات «غير مستحقة» على غرار ازمة مرسوم لتشويش علاقة الرئاسات الثلاثة وتقويضها بينما جرى تجاوز افخاخ والغام سياسية اكثر تعقيدا. فلا يفترض وفق قريبون من المستقبل تعقيد المشهد الداخلي في هذا التوقيت بالذات على ابواب استحقاقات محقة كالانتخابات، او اعادة عقارب الساعة الى الوراء اي الى مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية فيما يخص علقة الرئيسين عون وبري.

في قناعة رئيس الحكومة انه لا يرغب ان يكون طرفاً الى جانب اي فريق لكن توقيعه المرسوم ألبسه تهمة التواطىء مع الرئاسة الاولى، هذه التهمة التي يرغب الحريري بازالتها بالمعالجات والمسكنات السياسية التي اوجعت رئيس المجلس، وحيث ان البحث عن مخرج للأزمة بين الرئاستين في بعبدا وعين التينة جار من قبل السراي وعلى خط حزب الله ووسطاء الازمة، فالحريري يحاذر الانحياز الى جانب عين التينة حتى لا يغضب رئيس الجمهورية فلا يمكن تقويض التسوية الرئاسية التي جرت وهدمها فوق الرؤوس، كما لا يجوز الخربطة مع عين التينة فرئيس المجلس اضطلع بدور اساسي الى جانب الرئاسة الاولى في ازمة الرياض. وعليه فان الوصف الدقيق ومقاربة الموضوع تظهر ان رئيس الحكومة لا يريد المغامرة بحلفه مع الاثنين او التضحية باحد الرئاستين فلا يفرط بما انجزه مع بعبدا، ولا يطيح بالتفاهمات مع عين التينة.

واقع الامور، ان رئيس الحكومة في مرحلة اختبار فعلية، اشبه بالجالس على آلة كشف «الصدق او الكذب»، فرئيس الحكومة لا يزال يترنح تحت وطأة الملف السعودي عليه، وهو ويدرك كما يقول قريبون منه معنى الغدر فالحريري تجاوز ما جرى في السعودية بكتم اخبار ما جرى معه في توقيفه وبعث رسائل حسن نية تجاه المملكة، وليس من سماته ان يغدر باحد، وعليه لن يسمح بان تطول الأزمة مع رئيس المجلس والتفتيش قائم عن مخارج لموضوع ضباط الـ94.

القناعة التي يخفيها مستقبليون في سرهم ان رئيس المجلس «على حق» الى حد ما، لكن الحقيقة يتم التحفظ عليها وكتمها لعدم اثارة الخلاف مع بعبدا، خصوصاً ان رئيس الحكومة بادر بسرعة على توقيع المرسوم بدون اي تحفظات مما يجعله شريكاً بالجرم تجاه عين التينة. بالنسبة الى قريبين من المستقبل لا بد من بعض الاعترافات بان المرسوم محق والضباط طالهم غبن كامل طوال السنوات الماضية، وبان رئيس الجمهورية بعدما لمس عرقلة وتجاهلاً للملف قرر انهائه على طريقته دائما بفرض الامور واقعاً لا رجوع عنه، عدا ان رئيس الجمهورية لا يشعر انه ارتكب مخالفة او تجاوزاً في المسألة والتصرف الرئاسي مفهومه وتبريره احقية الضباط بالاقدمية.

وعلى ما يبدو فان اشتداد الخناق على رقبة الحريري لا يعفي حزب الله ايضاً الذي يبدو عالقاً بين «فكي» الازمة بشد الحبال بين حليفيه، بما يشبه الحالة التي سادت قبل الانتخابات الرئاسية عندما ترشح سليمان فرنجية للانتخابات الرئاسية ووجد حزب الله محرجاً تجاه حليفيه في الرابية وبنشعي، فالسيناريو يكرر نفسه اليوم فرئيس المجلس هو الحليف الاستراتيجي، ورئيس الجمهورية هو الحليف الحامي والضامن للمقاومة في وجه المجتمع الدولي عليها، في قناعة حزب الله  الذاتية التي لا يعلنها ان رئيس الجمهورية تجاوز بري في قضية حساسة جداً، وكان الاجدى حصول تنسيق بينهما يسبق الانفجار الاخير، اما وقد حصل ما حصل فان الحزب لا يرغب بتكرار سيناريو الماضي في العلاقة وعليه يحاول المعالجة وتقريب وجهات النظر والمسائل بين الحليفين لعدم سقوط التوافق والجبهة الرئاسية وحتى لا تعود العلاقة بين بعبدا وعين التينة الى مرحلة الادارة المعقدة والخلافات، وعليه سيكون على حزب الله ضبط عوامل الخلاف السياسي حتى لا تتطور الامور الى طلاق قبل الانتخابات خصوصاً ان الفريق السياسي يسير وفق ما كان مقرراً قبل ازمة ضباط عون الى التحالف الرباعي او الخماسي في الانتخابات، فالخلاف يفترض ان يجد حلولا وليس من مصلحة احد تكبير مرمى الحجر او الخلاف اكثر قبل الدخول في مرحلة الانتخابات كما يفترض عدم توقف عجلة الدولة امام ازمة مرسوم او توقيع.