IMLebanon

كان الحريري أقوى من قبل ولم يفلح… فلماذا تظلمونه؟!

توجّه الرئيس سعد الحريري الى موسكو طالباً الوساطة في الإستحقاق الرئاسي انطلاقاً من دورها في سوريا والمنطقة، وهو ما يعني انّ الأمور لا تُبتّ في بيروت. ومع الإعتراف المسبق بصعوبة المهمة عاد احدهم بالذاكرة الى مبادراته السابقة للخروج من المأزق من دون ان يفلح على رغم انه كان أقوى من اليوم، وسأل لماذا تظلمونه اليوم وتتوقعون العكس؟!

مساء يوم الجمعة الماضي وبينما كان الرئيس سعد الحريري في طريقه الى الرابية في نهاية جولته على الأقطاب بحثاً عن منفذ للخروج من المأزق الناتج عن الشغور الرئاسي استذكَر أحد عارفيه المبادرات السابقة التي قام بها سعياً الى هذا الهدف والنتائج التي أفضت اليها.

مبيّناً انّ ما قصده هذه المرة لا يختلف عن محاولاته السابقة على رغم تبدّل الظروف التي رافقت كل واحدة منها. فهي ليست المرة الأولى التي يبادر فيها الرجل للقيام بمهمة مستحيلة واضعاً كل إمكاناته في سبيل انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية مقدّماً المبادرة تلو الأخرى من دون جدوى بدليل انها انتهت كلّها الى الفشل.

يقول العارف بتفاصيل التفاصيل التي رافقت مبادرات الحريري السابقة انه تبنّى ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع اولاً عندما أعلن بمبادرة شخصية برنامجه لـ «الجمهورية القوية» في 3 نيسان 2014 مفاجئاً حلفاءه جميعاً، لكنّ الحريري التزم يومها مضمون رسالة قصيرة وجّهها قبل أشهر عبر تويتر قال فيها إنّ جعجع سيكون مرشحه لرئاسة الجمهورية.

واضاف: لم يكن ذلك امراً مستغرباً فقد تماهى يومها مع موقف موحّد لقوى 14 آذار خرقه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط قبل ايام قليلة على اولى جلسات انتخاب الرئيس في 19 نيسان 2014 بترشيحه عضو اللقاء الديمقراطي النائب هنري حلو كمرشّح توافقي بين جعجع وعون فتبخّرت وحدة 14 آذار رئاسياً في تلك الجلسة وانفخَت الدف وتفرّق عشّاق 14 الشهر كما قيل في حينه.

والى تلك المبادرة التي قيل انها ولدت ميتة بعدما استحضرت أسماء شهداء مجزرتي اهدن وبعبدا في صندوقة الإقتراع في تلك الجلسة اليتيمة التي شهدت نصاباً قانونياً ما لبث أن غاب عن مسلسل الجلسات التي تلتها.

ولم تتبدّل المواقف من المرشحين على رغم اللغط الذي رافق احتفال الحريري بعيد ميلاد العماد عون في بيت الوسط في 18 شباط 2015 من دون ان تكتمل الحوارات بينهما الى خطوة ترشيحه، على رغم ما رافق ذلك من روايات ومشاريع تفاهمات ووعود تَنكّر لها الطرفان.

وبقيت الأمور على حالها الى ان تكشّفت سلسلة لقاءات الحريري وفرنجية في باريس واللغط الذي رافقها في الفترة الممتدة من 29 تشرين الأول الى 4 كانون الأول 2015 والتي انتهت الى ترشيح الحريري لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية في عملية وصفها يومها بأنها «إنتحارية» بغية خرق الجمود الحاصل في الاستحقاق فقلبت الأوراق رأساً على عقب.

ولا يمكن لمن يتذكّر تلك الفترة من تجاهل حال الذهول التي عاشتها بعض مكونات 14 آذار والحملات التي تعرّض لها من أهل بيته المستقبلي والتي عجّلت لاحقاً بخطوات التوافق بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر الى ان اعلن جعجع في أوّل ردّ عنيف عليها تَبنّي ترشيح العماد عون في 18 كانون الثاني 2016 تأسيساً على ما سُمّي بورقة النوايا بين الحزب والتيار.

واستطراداً يقول العارف بخلفيات حراك الحريري وما أراده من تلك الخطوات انه كان جريئاً في خطواته مُدركاً لكلفة هذه المواقف على اهل بيته من تياره وحلفائه، وانّ ما حصل في حينه لم يكن مستغرباً على الإطلاق.

لكنه كان يرد خطواته هذه الى الحاجة عن ثقب في الجدار السميك المحيط بالإستحقاق الرئاسي مُدركاً لمخاطر استمرار الشغور على الطائف وتركيبة المؤسسات في البلاد مُردداً في كل مرة انه أقدمَ على «خيار إنتحاري» لعله ينهي الشغور ويحيي الحراك السياسي في البلد ويعيد اكتمال عقد المؤسسات الدستورية.

وبناء على ما تقدّم – يضيف هذا العارف – انّ كل هذه المبادرات لم تخرج الإستحقاق من «الشرنقة» التي تَكوّنت حوله. فقد ظهر واضحاً انّ هذه المبادرات ألقت الضوء ساطعاً على القوى التي تعرقل الإستحقاق ولا تريد انتخاب الرئيس في هذه المرحلة قبل ان تكتمل الصورة في المنطقة من اليمن الى العراق وعلى الساحة السورية تحديداً في ظل الصراع الإقليمي والدولي الدامي على أرضها.

وما لم يكن في الحسبان – يقول العارف نفسه – انّ الحريري الذي بادر أكثر من مرة للخروج من هذه الشرنقة سيصل الى ما وصل اليه اليوم على أكثر من مستوى. فقد سبق له ان قادَ تلك المبادرات متسلّحاً بالكثير من المواقف الدولية والمحلية التي تدعمه على عكس الظروف التي يعيشها اليوم في ظل سلسلة الخسائر التي مُني بها اقتصادياً ومالياً وسياسياً.

والدليل على ذلك – يضيف – انّ القيادة السعودية لا تساعده على تجاوز المصاعب المالية التي تفكك امبراطوريته الإنشائية والإعمارية في المملكة. لا بل فهي حجبت عنه حقوقه بمليارات الدراهم التي يمكن ان تنقذ مؤسساته المنتشرة في المملكة والعالم والتي تقترب من الإفلاس. فموظفوها الذين يحصون بعشرات الألوف لم يقبضوا رواتبهم منذ أحد عشر شهراً.

وقد انعكس كل ذلك ايضاً على أداء تيّاره الأزرق، المؤسسة الحزبية التي بناها قبل ست سنوات، وبات العديد من نوابه ووزارئه يعصون الأوامر ويخرجون على اصول الطاعة وصولاً الى اعتبار أحد أبرز حلفائه وزير العدل اشرف ريفي انّ الحريري انتهى وانّ البحث عن حريري جديد قد بدأ.

وفي المقابل بات خصوم الحريري في موقع أقوى وأمتن من ذي قبل، فكل المؤشرات تدل الى انّ من يتحكّم بالإستحقاق الرئاسي من الجهة المقابلة له بات اليوم قادراً على تحميل الحريري المسؤولية وقد نجح في ذلك الى الحدّ الذي دفع به الى المخاطرة مرة أخرى بإمكان التخلّي عن ترشيح فرنجية لصالح العماد عون إرضاء للفريق المناهض له على رغم ما يترقّبه الجميع من كلفة باهظة ليس المقال اليوم في وارد الإشارة اليها كاملة.

وأمام هذا الواقع الجديد يعتقد العارفون بكل التفاصيل والمستور منها خصوصاً انّ الرهان على مبادرة الحريري الأخيرة ليس في محله على الإطلاق ومن يراهن على خرق ما يعيش في عالم آخر. إلّا إذا كان على علم انّ هناك من يلاقيه من الطرف الآخر في منتصف الطريق. فتتلاقى المبادرات من الجهتين لعلها تنتج مخرجاً للإستحقاق.

ولكن ما هو ظاهر للعيان انّ الخطوات المقابلة مفقودة الى اليوم، لا بل إنّ هناك من يزيد الأحمال على كتفي الحريري وصولاً الى المرحلة التي سيعتذر فيها عن إكمال المهمة ولسان حاله يقول: «قمتُ بما قمت به من مساع ولَمّا لم اصل الى اية نتيجة، أعتذر من اللبنانيين. وأبلّغكم صراحة انني لست من أعاق الانتخابات منذ عامين ونصف، والذين يحمّلونني وزر إعاقتها هم ظالمون».