إذا كانت دائرة «بشرّي – الكورة – زغرتا – البترون» تضمّ رؤساء ثلاثة أحزاب مسيحيّة أساسيّة هي «التيّار الوطني الحُر» و«القوات اللبنانيّة» و»تيّار المردة»، وبطبيعة الحال ثلاثة مُرشّحين لرئاسة الجمهورية هم وزير الخارجية جبران باسيل والنائب سليمان فرنجيّة والدكتور سمير جعجع، من دون أن ننسى المُرشّح الرئاسي السابق النائب بطرس حرب، فإنّ دائرة «طرابلس – المنية – الضنيّة» المُستحدثة وفق قانون الإنتخابات النيابيّة الجديد، تُشكّل بدورها جزءًا مُهمّا من معركة رئاسة الحكومة، وهي تضمّ بطبيعة الحال مُرشّحين لهذا المنصب من داخل هذه الدائرة أيضًا.
وفي هذا السياق، لفتت مصادر سياسيّة مُطلعة إلى أنّ «تيّار المُستقبل» سيخوض بالتأكيد معارك إنتخابيّة قاسية في كل لبنان من صيدا إلى عكار مرورًا براشيا والبقاع الغربي وُصولاً إلى بيروت الأولى وغيرها من الدوائر الإنتخابيّة، لكن لمعركة دائرة «طرابلس – المنية – الضنية» نكهة خاصة حيث أنّها ستشهد إختبارًا أساسيًا لتيّار المُستقبل على مُستويين، الأوّل ضُمن الخط السياسي العام نفسه، والثاني مع الخُصوم السياسيّين. وأوضحت أنّ «المُستقبل» سيكون مُضطرًا إلى إثبات إستمرار سيطرته على الشارع السنّي المُؤيّد لنهج ما يُعرف بإسم «الحريريّة السياسيّة»، على الرغم من خروج بعض الشخصيّات من تحت هذه العباءة، وفي طليعتها المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، على سبيل المثال لا الحصر. وأضافت المصادر نفسها أنّه سيكون على «تيّار المُستقبل» أيضًا كسب أكبر عدد مُمكن من المقاعد الأحد عشر في هذه الدائرة الشمالية، خاصة وأنّ ثمانية منها محسوبة على المذهب السنّي، وأنّ مدينة طرابلس تُشكّل ثقلا شعبيًا أساسيًا للمُسلمين السنّة.
وشدّدت المصادر السياسيّة المُطلعة أنّه بإنتظار وضوح التحالفات والإصطفافات النهائية للمعركة الإنتخابيّة في دائرة «طرابلس – المنية – الضنية»، الأكيد أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يطمح للعودة إلى الحُكم من جديد، بعد إجراء الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، سيُحاول تحجيم نُفوذ الشخصيّات المُنافسة له، عن طريق مُحاولة منع وصول بعضها إلى المجلس النيابي وكذلك عن طريق حصر نفوذ بعضها الآخر بمقعد نيابي واحد. ولفتت إلى أنّ لكل من رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، والنائب محمد الصفدي، والوزير السابق فيصل عُمر كرامي وغيرهم، طموحات شخصيّة على مُستوى منصب رئاسة الوزراء، وهو ما يدفع رئيس الحكومة الحالي إلى عدم إخلاء الساحة الطرابلسيّة لهم. وأضافت المصادر عينها أنّ الحريري سيتعرّض في المُقابل لمحاولة إلغاء من بعض خُصومه القُدامى والجُدد الذين سيسعون لإخراج نفوذه من طرابلس، أو على الأقلّ إلى تقليصه إلى أدنى مُستوى مُمكن.
وبحسب المصادر السياسيّة نفسها فإنّ رئيس الحكومة يُعطي أهمّية كبيرة لمعركة هذه الدائرة الشماليّة، وهو يدرس خيار تبادل الأصوات، وخيار التنازل عن بعض المَقاعد فيها في مُقابل كسب مقاعد أخرى، مُشيرة في هذا السياق إلى ثقل التصويت العلوي الذي يُوجد تفكير جدّي بتبادل الأصوات معه، لجهة دعم المُرشّح الذي يختاره في مُقابل كسب أصوات الكتلة العلوية المُتماسكة. ومن ضُمن الخيارات التي يدرسها «المُستقبل» بحسب المصادر نفسها، إمكان دعم ترشّح «تيار المردة» عن أحد المقعدين المسيحيّين في دائرة «طرابلس – المنية – الضنية» أو عن المقعدين الماروني والأرثوذكسي معًا، في مُقابل كسب المقاعد السنّية، عبر دعم مُتبادل للأصوات للائحة واحدة إئتلافيّة تضمّ مُرشّحًا قويًا عن العلويّين. وأضافت هذه المصادر أنّ باب التفاوض سيكون مفتوحًا في المرحلة المُقبلة مع كل من النائبين نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي ومع غيرهما أيضًا، لدرس إمكانات تشكيل لائحة إئتلافيّة واحدة تجمع أكبر مروحة مُمكنة من الشخصيّات الطرابلسيّة، علمًا أنّ فرص نجاح هذا الأمر ضعيفة. وتابعت المصادر أنّ الوزير السابق فيصل كرامي يتّجه في المُقابل إلى لعب دور محوري في تشكيل لائحة محسوبة بالكامل على قوى »8 آذار»، وتجمع مرشّحين عن هذه القوى لمقاعد الدائرة كافة، بالتنسيق مع العلويّين.
وإنطلاقًا من هذه المُعطيات، أكّدت المصادر السياسيّة المُطلعة إستحالة جمع كل الفعاليّات الأساسيّة في دائرة «طرابلس – المنية – الضنية» في لائحة توافقيّة واحدة، وحتى صُعوبة توزيعها على لائحتين مُتواجهتين، مُتوقّعة أن يُؤدّي هذا الأمر حُكمًا إلى فتح الباب أمام ثلاث لوائح مُتنافسة على الأقلّ، وإلى تشتيت كبير لأصوات الناخبين، علمًا أنّ «تيّار المُستقبل» يُعوّل كثيرًا على «الصوت التفضيلي» لفوز مُرشّحيه، خاصة وأنّ من بين أبرز أسباب مُوافقته على حصر هذا «الصوت» بالقضاء وليس بالدائرة، هو منع تأثير ناخبي جزّين على ناخبي صيدا، والإستفادة من «الصوت التفضيلي» في كل من المنية والضنية. في المُقابل، توجد نيّة لدى بعض القوى من خُصوم الحريري القُدامى والجُدد، بالعمل كلّ من موقعه، على إخراجه من طرابلس وبالتالي على إلغائه من المُعادلة الشماليّة.
وختمت المصادر السياسيّة نفسها كلامها بالقول إنّ معركة دائرة «طرابلس – المنية – الضنية» هي بالتأكيد جزء من معركة رئاسة الحكومة، وهي فرصة أيضًا لأن يُثبت خُصوم رئيس الحُكومة القُدامى والجُدد حيثيّاتهم الشعبيّة. وبالتالي، ستكون المعركة الإنتخابية في هذه الدائرة، والتي يُنتظر أن تمرّ بمراحل تحضيريّة عدّة، بدءًا باختيار المُرشّحين، مُرورًا بعقد التحالفات، وُصولاً إلى صُدور النتائج، محط مُتابعة دقيقة من قبل أكثر من جهة سياسيّة في لبنان، نظرًا إلى أهمّيتها العالية على أكثر من مُستوى.