Site icon IMLebanon

الحريري لن يرفع الراية البيضاء

 

لا يختلف اثنان على أن رئيس الحكومة سعد الحريري، بات في وضع لا يحسد عليه، فالرجل يعيش الأجواء نفسها التي عاشها في الأيام الأخيرة التي سبقت الإطاحة بحكومته في مطلع العام 2011، حين دخل البيت الأبيض لمقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما رئيساً لحكومة لبنان، وخرج من اللقاء رئيساً سابقاً للحكومة، جرّاء استقالة 11 وزيراً من دارة الرئيس ميشال عون في الرابية، وذهب خصومه الى تسمية الرئيس نجيب ميقاتي وتشكيل حكومة خالية من قوى «14 آذار»، رغم خروج هذه القوى برئاسة الحريري منتصرة في انتخابات العام 2009.

 

الاستقالة المدوية يومذاك أتت تحت عنوان، رفض الحريري إحالة ملف «شهود الزور» في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى المجلس العدلي، وها هو التاريخ يعيد نفسه، فحكومة الحريري الثالثة مهددة بالاستقالة، تحت عنوان الخلاف على إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي، ورغم معرفة الجميع أن تطيير الحكومة له أثمان سياسية واقتصادية كبيرة، الا أن الخيار لا يزال قائماً ويتقدّم بسرعة، وفق تقدير مصدر وزاري الذي رأى أن «عوامل استقالة الحكومة متوفرة، وقد تحصل في أي وقت إذا استمرّ فرقاء الصراع كلّ متحصّن على جبهته، ويرفض التقدم خطوة واحدة باتجاه الآخر».

 

وبحسب المصادر، في العام 2011، جاءت إقالة الحكومة واستبعاد سعد الحريري، بقرار من حزب الله والسيّد حسن نصرالله شخصياً، مستنداً الى متغيرات إقليمية استوجبت اتخاذ مثل هذا القرار، وعلى رأسها فشل تسوية الـ (سين ـ سين)، واقتراب موعد صدور القرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومعرفة الحزب مسبقاً بأن قراراً اتخذ باتهام الحزب في تفجير 14 شباط، عبر اتهام أربعة من كوادره بتنفيذ الجريمة، أما اليوم فالظروف مختلفة، لأن الحريري لم يعد عامل إزعاج للحزب، بل على العكس يرى الأخير أن بقاء الحريري على رأس السلطة الإجرائية، افضل من خروجه، على حد تعبير مصادر مقرّبة من حزب الله، لكن المصادر نفسها شددت على أن «قيادة الحزب ترفض ابتزازها، أو تهديدها بالاستقالة تارة والتلويح بقلب الطاولة مرة أخرى، وإذا أراد الحريري الاستقالة بإرادته فهو لا يحرج أحداً»، مؤكدة أن «الأكثرية النيابية ليست عاجزة عن تسمية شخصية لتشكيل الحكومة، والساحة السنية تذخر بالزعامات والشخصيات المؤهلة لترؤس الحكومة، وبالتالي الزمن لا يقف عند غياب رجل عن السلطة أياً كان، لأن دورة الحياة لا تتوقف عند شخص مهما علا شأنه».

 

لا شكّ أن العقد تتراكم وهي تسابق مساعي الحلّ، لكن ثمة إصراراً على تخطي أزمة تعطيل الحكومة، عبر مبادرة رابعة يسوّق لها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وتشكل الفرصة الأخيرة قبل «خراب البصرة»، غير أن منسوب القلق آخذ بالارتفاع حيال الوضع الاقتصادي الهش والاستقرار النقدي، ما يدفع برئيس مجلس النواب نبيه برّي الى تفعيل لقاءاته واتصالاته، حتى لا تصل البلاد الى الكارثة، وهو ما حوّل مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة الى خليّة نحل لا تهدأ، في وقت تزدحم روزنامة بيت الوسط والسراي الحكومي بالمواعيد، والزيارات التي تجسّ نبض رئيس الحكومة، لتلمّس ما يجول في خاطره، ولا تخفي مصادر واكبت لقاء الحريري برؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، أن الأخير «كان صريحاً بأنه سيعطي فرصة جديدة للاتصالات وتهيئة كل الظروف المؤاتية لاستيلاد الحلول، قبل أن يحسم قراره بجدوى الاستمرار على رأس الحكومة من عدمه».

 

هذه الأجواء القريبة الأقرب الى السلبية، قللت من أبعادها مصادر مقرّبة من الحريري، حيث أكدت أن الأخير «ليس بوارد التخلّي عن مسؤولياته طالما أن لديه القدرة على التحاور وتدوير الزوايا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه». وأشارت الى أن رئيس الحكومة يتصرّف على قاعدة أن «المسؤول لا يترك بلده عندما تعصف به الأزمات، بل واجبه يحتّم عليه مواجهة العواصف لتجنيب البلد وشعبه الكوارث»، معتبرة أن «المطلوب من الآخرين وعي دقّة المرحلة، حتى لا يغرق المركب بمن فيه». وذكّرت بأن «خزينة الدولة تخسر 2.5 مليون دولار يومياً جراء تعطيل الحكومة، وعدم تمكنها من الانصراف للتصدي للاستحقاقات المقبلة ، أهمها الشروع بدرس موازنة العام 2020، وإصدار المراسيم التطبيقية لكثير من القوانين التي أقرت بينها قانون موازنة الـ 2019، ومقررات مؤتمر «سيدر»، وغيرها من القضايا المهمّة».

 

ومع ازدياد حركة الاحتجاج في الشارع السنّي على ما تسميه التفريط بصلاحيات رئيس الحكومة التي بدأت مع تشكيل حكومة «الى العمل» وصولاً إلى تصرفات وزير الخارجية جبران باسيل، التي تستفزّ الجميع والذي يتصرّف كأنه الحاكم بأمره، على حد تعبير المصادر المقربة من الحريري، الا أنه «لا تنازل ولا تفريط بصلاحيات الرئاسة الثالثة، والحريري يمارس صلاحياته كاملة وبكلّ مسؤولية». وشددت على أن رئيس الحكومة لن يرفع الراية البيضاء ولن يتمكنوا من إحراجه لإخراجه، وإذا كانت لدى أرباب التعطيل مصلحة بتطيير الحكومة بإمكانهم الاستقالة فتصبح الحكومة مستقيلة حكماً، وليتحمّلوا حينئذٍ مسؤولية ما ستؤول اليه الأوضاع، وعندها يتصرّف على قاعدة «اللهم إني قد بلغّت.. اللهم فاشهد».