عند صلاة الجمعة، ازدحمت الحركة حول دوار مكسر العبد قبالة مسجد بهاء الدين الحريري في صيدا. زحمة مصلين تتوافد إلى حرمه، مخترقة الانتشار الأمني الكثيف لعناصر الجيش واستخباراته وفرع المعلومات والآليات العسكرية. عند إحدى بوابات المسجد الجانبية، ركنت عربة بث مباشر للنقل التلفزيوني الحي.
كل العناصر الشكلية تؤكد أن الرئيس سعد الحريري سيحضر، كما عمّم قياديو تيار المستقبل على الحلقة الضيقة. انتهت الصلاة وشرع الإمام بإلقاء خطبة الجمعة، فيما الصيداويون، ولا سيما مناصرو المستقبل، ينتظرون وصول الخبر العاجل الذي يفيد بوصول الشيخ سعد إلى مسقط رأسه للمرة الأولى منذ سنوات طويلة. يتفرق المصلون ولا يظهر الحريري في المسجد الذي بناه والده الرئيس رفيق الحريري على اسم جده، وأنفق عليه الملايين. ظن المناصرون أن الشيخ الذي لم يقف في الصلاة معهم في صف واحد، سيسبقهم إلى فيلا عمه شفيق الحريري لاستقبالهم فرداً فرداً ورعاية المهرجان الانتخابي للائحة «صيدا إلى الأمام» برئاسة محمد السعودي.
مرت الساعات وصيدا تنتظر. كسر «الغالي ابن الغالي» خاطرها مجدداً ولم يخصّها بزيارة كما فعل مع زحلة وسعدنايل والطريق الجديدة وطرابلس. «الشتّامون» أفرغوا غضبهم في الشوارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. «شو ما أجا؟»، مازح كثيرون باللهجة الصيداوية. أحدهم علق قائلاً: «أتى الأب الكبير المليء عشية انتخابات 2004 ولم يستطع أن يرفع أسهمه. ماذا سيفعل الإبن الطفران عام 2016؟». بحسب مصادر من داخل بلدية صيدا، وفور انتشار خبر زيارته، تلقى الحريري نصائح بعدم المجيء إلى صيدا. «الزيارة قد يكون لها مفاعيل سلبية على اللائحة وقد يخرج البعض في المهرجان الانتخابي مطلقاً شعارات ضده ومطالباً بدفع أجور الموظفين وتعويضات المصروفين. ألا تعلمون ماذا حصل لدى استقباله وفداً صيداوياً في بيت الوسط بحضور النائبة بهية الحريري؟» سألت المصادر مجيبة: «عند انتهاء كلمة الحريري، انبرى موظف في فيلا مجدليون صارخاً: ادفعوا لنا المعاش. متنا من الجوع».
الحريري رمز مؤسسة «سعودي أوجيه» وصيدا رمز المصروفين منها. ماذا قد يحصل في حال تواجها؟ لذا، ترجح المصادر أن يؤجل الحريري الزيارة. «سقى الله أيام أوجيه». حينها، كانت الانتخابات في صيدا فرصة للاسترزاق لدى بعض مناصري «المستقبل». في انتخابات 2010، ما بين 2400 إلى 3 آلاف موظف صيداوي في أوجيه ومشاريع الحريري في السعودية، حظوا بعطلة ورحلة سفر إلى مسقط رأسهم للتصويت للوائح الحريري. في انتخابات 2016، وبعد تفاقم الأزمة المالية في السنوات الأخيرة، معظم أولئك المحظيين صاروا مصروفين ومحتجزين في السعودية بسبب انتهاء إقاماتهم وعدم قدرتهم على تجديدها بسبب إمكاناتهم الاقتصادية. رغم وضعهم المأسوي، لم يغب عن بال إدارة «أوجيه» تذكيرهم بواجبهم الانتخابي. سمحوا لمن يرغب بالسفر إلى لبنان للتصويت، إنما على حسابهم الخاص، فلم يحضر أحد. قبل أسابيع من الانتخابات، تحل نعمة الحصص التموينية والمساعدات المالية والاجتماعية والطبية. منذ أربع سنوات، انقطعت تلك النعم. في وقت يطالب فيه أصحاب محال ومؤسسات النائبة بهية الحريري بتسديد ديونها المترتبة منذ أشهر طويلة، منها ثمن المازوت وألبان وأجبان ومواد غذائية وولائم تم شراؤها باسم قصر مجدليون.
على نحو تلقائي، تحسم ماكينة المستقبل الموظفين المصروفين وعائلاتهم من لائحة الناخبين. يوقنون بأنهم لن يصوتوا لهم، انتقاماً. تحسم الماكينة أيضاً الأصوات الإسلامية والسلفية التي كانت تمنح صوتها للمستقبل وحلفائه لأنه كان الخيار الأوحد القريب لها. أما وقد توافر الخيار المناسب، لائحة أحرار صيدا، برئاسة علي الشيخ عمار، فتلك الأصوات ستجير لها.
لكن المستقبل يعوض عن الجذب بالمال والعصب المذهبي بوسائل أخرى. بإيعاز من مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان، دعا المشايخ المحسوبون على المستقبل والجماعة في خطب الجمعة إلى التصويت لأصحاب الإنجازات، ملمحين إلى لائحة السعودي. بخلاف انتخابات بيروت، لم يصدر تعميم رسمي من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ومديرية الأوقاف بالتصويت للائحة المستقبل بشكل صريح.
غاب الحريري عن المهرجان الأخير في حملة «صيدا إلى الأمام» الانتخابية، أمس. لكن عمته ونجلها أحمد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة حضروا. لم يكن الحشد كبيراً. حتى إن الكثير بينهم كانوا ضيوفاً من بيروت والمناطق، منهم المدير في «أوجيه ليبان» المقيم في بيروت نزيه الحريري. للمرة الثانية، لا يلفظ السنيورة في كلمته اسم السعودي، مروجاً لذهنية فريق العمل. رافع شعار «زي ما هيي»، كان ديموقراطياً في صيدا. «يوم الأحد انزل وعبّر عن رأيك وانتخب من تريد. وفي حال انكفأت، لا أحد يحترمك. احترام الصيداويين لأنفسهم بأن ينزلوا وينتخبوا من يريدون. والأحد ليلاً نحتفل بمن فاز، أياً يكن». ممثل الجماعة الإسلامية التي تنافسها «أحرار صيدا» على قاعدتها الناخبة الإسلامية، شدد على التصويت للائحة السعودي «كاملة كاملة كاملة».