IMLebanon

الحريري «اجتهد» في توقيت غير مناسب دون قرار سعودي «بتحجيم» ريفي

«انفجار» «القلوب المليانة» بين الرئيس سعد الحريري ووزير العدل اشرف ريفي، وخروج السجالات «القاسية» من «الغرف المغلقة» الى العلن، ليس الا انعكاسا للتخبط السعودي والارتباك في قيادة «جبهات» القتال السياسية والعسكرية على امتداد خريطة الصراع مع ايران وحلفائها في المنطقة، والساحة اللبنانية لن تكون استثناء بل ربما ستكون التعبير الاصدق عن مأزق سعودي في فقدان «التحكم والسيطرة» على «خيوط اللعبة» حتى في داخل «البيت الواحد»، ولعل شهادة مدير الأمن القومي الأميركي جيمس كلابر، أمام الكونغرس الاميركي يعد الاكثر تعبيرا عن واقع حلفاء الرياض في المنطقة حين قال «في سوريا، أصبحت المبادرة بيد القوات الموالية للنظام بعد التقدم الذي حققته في حلب واللاذقية في الشمال وفي الجنوب السوري وفي الوقت الذي يعاني منه النظام من نقص الجنود إلا أن قواته موحدة، أما قوات المعارضة فهي لا تملك معدات أو ذخيرة وأقل تماسكاً والاكثر خطورة انهم متنافسون ويقتتلون فيما بينهم».

الجملة الاخيرة في هذه المقاربة ربما تكون الاكثر تجسيدا لواقع الصراع «العبثي» الذي يتظهر على الساحة اللبنانية داخل تيار المستقبل حيث «القلة تولد النقار»، و«تغريد» وزير العدل خارج السرب ليس الاول، ولن يكون الاخير، ووفقا لاوساط شمالية مطلعة على الاجواء المحتقنة داخل تيار المستقبل، فان ما جرى من تظهير للخلاف ينم عن ادراك متنام لدى ريفي بتراجع قدرة الحريري على الامساك بمفاصل الامور داخل «التيار الازرق»، ما سمح له بتوسيع هامش الاعتراض و«التمرد» على قراراته، ولطالما تحدث الى المقربين منه عن ضعف بنيوي في شخصية الحريري «غير القادر» على ضبط مراكز القوى المتفلتة من اي حسيب او رقيب، فالامين العام للتيار احمد الحريري يملك «كارت بلانش» من ابن خاله للتصرف بالامور التنظيمية، متجاوزا مصالح «الزعامات» المناطقية، كما ان «طيف» فؤاد السنيورة يبقى حاضرا ومؤثرا داخل التيار، وهو يتعامل «بخبث» شديد مع الحريري، ويماشيه في قراراته الخاطئة، وبدل مواجهته، يتركه «ليغرق» ثم يقدم نفسه باعتباره «خشبة خلاص» لانقاذ الموقف ومنع الحريري من «الغرق»، فيما وزير الداخلية نهاد المشنوق يشكل احد اجنحة السعودية الوازنة في «التيار» وصداقته مع وزير الداخلية محمد بن نايف تجعله متقدما على غيره.

فيما يعتبر ريفي نفسه «ام الصبي» مع اللواء الشهيد وسام الحسن تضيف الاوساط، حين قدما كل ما يلزم في الاوقات الصعبة لتامين مظلة امنية لحماية سياسات الحريري، ودفع هو شخصيا من رصيده في طرابلس بعد «بيع» الحريري لقادة المحاور، وفي زمن «القطاف» السياسي يجد ريفي نفسه «معزولا» عن دائرة اتخاذ القرارات «الاستراتيجية»، بل يطلب منه «البصم» دون نقاش على قرار مفصلي بترشيح النائب سليمان فرنجية دون شرح الاسباب الموجبة لعدم وضعه في اجواء النقاشات التي سبقت القرار الذي سمع به عبر وسائل الاعلام. واليوم يشعر ان ثمة قرارا متخذ من الدائرة الضيقة التابعة للحريري بقصقصة «جوانحه»، خصوصا ان انسحابه من جلسة مجلس الوزراء، معلّقاً مشاركته في الحكومة على إدراج قضية الوزير ميشال سماحة كبند أول على جدول أعمال أي جلسة مقبلة، لم يكن خارج سياق مناخات عامة داخل «تيار المستقبل» للذهاب بعيدا في الحملة على المحكمة العسكرية، وكان قد تم الاتفاق على أن يذهب المستقبل بالمواجهة في هذا الملف حتى النهاية، وقد فوجىء وزير العدل بـ «تغريدة» الحريري، ولم يجد مقربون منه تفسيرا لهذا الامر سوى محاولة من رئيس الحكومة الاسبق لاستعادة المبادرة عشية احياء ذكرى 14 شباط، عبر «التصويب» على احد «الصقور» المشاغبين للقول انه الآمر الناهي داخل التيار «الازرق»، بدعم سعودي مفتوح….؟

لكن هذا الامر مشكوك به لدى الكثير المتابعين لخفايا ما يدور داخل تيار المستقبل، فالوزير ريفي لا زال يملك حظوة كبيرة لدى الاستخبارات السعودية بشكل خاص، ولا يزال «الرجل الامني» الاقوى على الساحة اللبنانية ويملك «الكثير» من مفاتيح «اللعبة» على الارض، حتى ان بعض المعلومات تتحدث عن ان الدعم المالي الذي يتلقاه وزير العدل منفصل عن «موازنة» تيار المستقبل، وهذا ما يفتح «باب النقاش» على مصراعيه حول وجود صراع قوة ونفوذ داخل الممكلة تتجلى اكثر وجوهه «قباحة» في «صراع الديوك» على الساحة اللبنانية بين حلفاء المملكة العاجزة عن تنظيم الخلافات وضبطها. وبحسب تلك الاوساط فقد تلقى ريفي تطمينات من دوائر سعودية فاعلة تفيد بان ما صدر عن الحريري ليس قرارا سعوديا موجها ضده، وانما «اجتهاد» من قبل رئيس المستقبل…

وفي هذا السياق يعتقد هؤلاء ان «اجتهاد»الحريري ستكون له اثمان كبيرة ما لم يتم «لملمة» الموضوع، «فاحراج» ريفي لاخراجه سيكون له تأثير مدو يتجاوز خروج النائب خالد الضاهر من تحت «عباءة» المستقبل، وهو يوازي في اهميته دفع القوات اللبنانية الى «التمرد» على الحريري، فـ«القوات» وريفي يتمتعان «بحظوة» الجهة نفسها في المملكة، وعلى الارض يتمتعان بالقدرة على «ايلام» تيار المستقبل في مناطق نفوذه، والسؤال المطروح اين مصلحة الحريري في استعداء سمير جعجع ودفعه الى «حضن» التيار الوطني الحر انتخابيا؟ واين مصلحته اليوم في خوض مواجهة مع ريفي قبل اشهر معدودة من الانتخابات البلدية المزمع اجراؤها في ايار المقبل؟ فالاستمرار في المواجهة مع ريفي سيكون له تأثير سلبي على «التيار الازرق» في طرابلس والشمال، خصوصا ان توقيت تظهير الخلاف وايصاله الى هذه المرحلة غير المسبوقة، يأتي عشية إحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط، والامر الثاني يتعلق بمضمون الخلاف، فانفجار الموقف لا يرتبط بالتباين بين الرجلين حول ترشيح الحريري لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ورفض ريفي لهذا الخيار، فهذا الامر قابل للنقاش، لكن الحريري ارتكب مجددا «دعسة ناقصة» ووجه «رسالة» الى وزير العدل في القضية الخطأ المتعلقة بـ «تورط» الوزير السابق ميشال سماحة بنقل متفجرات من دمشق لتنفيذ تفجيرات في الشمال وعدد من المناطق اللبنانية، وهذه القضية تلقى تعاطفا كبيرا في «الشارع» الازرق» ولدى مناصري تيار المستقبل.

وامام هذه المعطيات، يبدو ان «صداع» «التيار الازرق» بدأ يتجاوز قدرة القيادة السعودية على التحمل، فالرياض لا تريد انهيارا مدويا لاستراتيجيتها في لبنان، في وقت متزامن مع انهيار استراتيجيتها في سوريا، فمعادلة الحرب هناك تتغير والتهديدات السعودية بتدخل بري والحديث عن حل سياسي يتم التفاوض عليه، وخطط وقف النار، كلها باتت غير مجدية حيث لن تكون هناك معارضة «معتدلة» كي تشارك في المفاوضات المقبلة. اما في لبنان واذا ما استمر وضع الحلفاء على ما هو عليه من تشرذم وتفكك، فان المملكة لن تجد احداً يجلس الى «طاولة» التفاوض مع حزب الله حين تنضج التسويات، ولذلك دخل السفير السعودي على «خط» الازمة لمحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان… او بالحد الادنى تنظيم الخلافات؟