IMLebanon

الإعتذار رهينة الإتفاق على ما بعده

 

 

في الصورة الظاهرة وفي أعقاب تحرك السفيرتين الاميركية والفرنسية واجتماعاتهما في المملكة السعودية للبحث بأمور تتعلق بلبنان، بدأت الشكوك في كون ملف الحكومة خرج من أيدي المبادرين ليصبح حصراً قيد الاهتمام السعودي الاميركي الفرنسي، خصوصاً وان الملف الحكومي لم يشهد اي حلحلة بعد، غير ان متابعي الموضوع الحكومي المباشرين يقللون من الحديث انطلاقاً من تأكيدهم ان زيارة السفيرتين هدفها حصراً تأمين المساعدات الاقتصادية ليس اكثر، بعد الطلب الاميركي والفرنسي من المملكة مساعدة لبنان مالياً وهو ما وعد ببحثه وزير الخارجية السعودي. الملمّون بالشأن الحكومي افرغوا زيارة السفيرتين من مضمونها حكومياً واعادوا التأكيد ان الملف الحكومي لا يزال بيد رئيس مجلس النواب حصراً بعد حصر التكليف به حتى من قبل “حزب الله”. وحده بري العامل على خط الحكومة في وقت جمدت زيارة الخليلين للحريري، وكذلك اجتماعات “حزب الله” مع رئيس “التيار الوطني الحر”.

 

وتؤكد مصادر معنية بالملف الحكومي أننا لا نزال في خضم الايام الحاسمة حكومياً التي حددها امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله بانتظار ان يقدم الحريري جوابه: إما الاعتذار أو التشكيل. وطالما ان الرئيس المكلف سعد الحريري لم يعتذر بعد فهو مكلف ويتعاطى معه الثنائي الشيعي على هذا الاساس، وإذا اعتذر سيكون شرط الاتفاق على البديل اولوية. وحتى ساعات الحسم يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري العمل في الكواليس على اعداد تسوية بالتوافق مع الحريري، تؤمن تمرير الاعتذار بسلاسة بعد الاتفاق على تسوية ما بعده.

 

ويتمحور ما يجري العمل عليه على حفظ ماء وجه الحريري وضمان خروجه من تكليف لا يلغي دوره على الحلبة السياسية، وفي تشكيل الحكومة على وجه الخصوص. وان يفهم خصومه ان تشكيل اي حكومة من دونه صعب حتى ولو لم يكن مكلفاً برئاستها. المسألة ليست محصورة بالحريري وانما بعدم التسليم لرئيس “التيار الوطني الحر” واظهاره بمظهر المنتصر في معركته ضد الحريري.

 

كما في تشكيل حكومته كذلك في اعتذاره. شغل الرئيس المكلف سعد الحريري الجميع وانقسمت الآراء حوله بين متعاطف وبين من يحمله مسؤولية التعطيل. في الحالتين غدا رهينة من جهتين، الاولى لانه لا يرى ان الاعتذار وترك البلد يغرق بأزمته منطقي، كما ان الاستمرار في تكليف معطل لم يعد مقبولاً ايضاً. لو قدر للحريري فالاعتذار حاضر وكان مقرراً ان يقدمه يوم غد، لولا ان الثنائي الشيعي مصر على تأمين مجريات اليوم الثاني ما بعد الاعتذار.

 

كما الجميع كذلك “حزب الله” ينتظر نتائج مباحثات رئيس مجلس النواب نبيه بري الاخيرة المتعلقة بالحكومة قبل ان يعلن الحريري اعتذاره. يوم استقال في 17 تشرين تمنى عليه “حزب الله” التريث الى حين الاتفاق على البديل، وكذلك طلب يوم استقال الرئيس حسان دياب. يهم الثنائي رسم خريطة طريق للمستقبل مع الحريري قبل اعتذاره، بدءاً من اختيار البديل الى شكل الحكومة وتركيبتها، وكأن المقصود التوصل معه الى تسوية تحفظ ماء وجه الحريري ليبقى محافظاً على دوره في الحياة السياسية، وانتقاماً لفشل مبادرة بري، والأهم عدم ترك المهمة في يد جبران باسيل تجنباً لتعطيل مماثل للذي نشهده مع تشكيل الحكومة الحالية.

 

وما يجري العمل عليه حالياً هو تأمين خروج الحريري بأقل الخسائر الممكنة بما لا يظهره خاسراً مقابل ربح باسيل، ويؤمن له دوراً مستمراً على الحلبة السياسية، اي ان يكون خرج كرئيس مكلف لكنه احتفظ لنفسه بان يكون مقرراً لرئيس الحكومة المقبل وشكل حكومته. وهو ما ينشغل بري حالياً في هندسته والاتفاق مع الحريري على ترشيح شخصية بديلة تحظى بموافقة دار الفتوى، واحاطتها بالمظلة السنية والا يتحول الى دياب ثانٍ. ومن جملة الافكار المقترحة ان يتوجه الحريري الى عون ويبلغه الاعتذار بعد ان يكون اتفق مع بري و”حزب الله” على البديل، بما لا يجعل باسيل متفرداً بالحكومة المقبلة واختيار رئيسها.

 

وقد يكون اختيار الحريري لشخصية تخلفه في رئاسة الحكومة اصعب من مهمة تكليفه، فالرجل لا يريد ان يسمي مرشحين للمهمة من نطاق تياره الضيق ولا المحسوبين عليه مباشرة، والمكلف ايا كان، سيكون قبوله لرئاسة الحكومة شبيهاً بتنفيذه عملية انتحارية، بالنظر الى الصعوبات المنتظرة وفي مقدمها التفاهم مع عون وباسيل، والتحضير للانتخابات النيابية التي يطالب المجتمع الدولي باجرائها، ومواجهة رفع الدعم.

 

فمن سيقبل بخوض هذا الامتحان؟ يمكن للرئيس نجيب ميقاتي أن يقبل وسبق وان اجتمع مع عون قبل اشهر وعرض عليه ترؤس الحكومة، فكان جوابه مرهونا بشرطين: ان يقبل به الحريري، وانه لن يقبل بما رفضه الحريري حكومياً اي لا يقبل بشروط باسيل”، اسم آخر قد يقبل ايضاً هو فيصل كرامي الذي قد يجد فرصته في دخول نادي رؤساء الحكومات، أما ترشيح سمير حمود فليس متداولاً على نطاق واسع.

 

ينقل مقربون عن الحريري احساسه ان المسؤولية لا تتوقف على تقديم اعتذاره والانتقال الى المعارضة وترك البلد يغرق أكثر فأكثر في ازمته، وانه لا بد من اجراء ترتيب معين لمرحلة ما بعد الاعتذار وهو ما يخوضه الحريري ببحثه مع بري.

 

المؤكد الوحيد عزم الحريري على الاعتذار مدعوماً بنصائح مصرية وامارتية، اما البحث في مرحلة ما بعد اعتذاره فدونها شكوك واعتبارات سياسية واستحقاقات، فهل ما يجري مجرد مضيعة للوقت ام انه طرح جدي. الكل ينتظر خريطة طريق يضعها بري والحريري للرئيس القادم للحكومة.