IMLebanon

“الإعتذار” وما بعده… إن حصل؟

 

يرى فريق من السياسيين أنه لم يعد أمام الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري من خيار سوى الاعتذار عن التأليف بعد 9 أشهر من تكليفه هذه المهمة، ولكنه حتى يعتذر لا بد من ان يكون هناك مخرج لهذا الاعتذار، ويرجّح هؤلاء أن تكون التشكيلة الوزارية القديمة ـ الجديدة التي سلّمها لرئيس الجمهورية ميشال عون أمس وهو يدرك مسبقاً أن الأخير سيرفضها.

لكن اللافت انّ عون هذه المرة، وخلافاً للمرات السابقة بينه وبين الحريري، إعتبر هذه التشكيلة قابلة للنقاش ما يجعلها في هذه الحال امام احتمالين: إنتهاء النقاش الى توافق عليها وتالياً إصدار مراسيم تأليف الحكومة العتيدة او رفضها بما يدفع الحريري الى الاعتذار، او الى تقديم تشكيلة وزارية جديدة خصوصاً في حال سارعَ المصريون، وربما غيرهم من أفرقاء داخليين الى إقناعه بعدم الاعتذار، وقد أُعلِن انّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي استقبله امس نصحه بعدم الاعتذار.

 

يقول سياسيون معنيون بالاستحقاق الحكومي انّ دافع الحريري تلقى في الايام الأخيرة معطيات خليجية ودولية لا تزال غير مشجعة له على المضي في تأليف الحكومة ما دَفعه الى تعجيل حسم موقفه بالاعتذار عن التأليف، لكنه نزولاً عند رغبة الجانب المصري قرر التريّث قليلاً في الاعتذار لعلّ الحركة المصرية الداعمة له والناشطة في اتجاه بعض العواصم الخليجية والدولية المؤثرة تغيّر إيجاباً في المواقف والارادات المعترضة عليه، ويبدو انّ تطورات هذه الحركة هي التي جعلت القاهرة تقدّم موعد زيارته لها الى الامس بدلاً من الخميس. إلّا انّ هذا التريّث حدّه المهلة الزمنية التي حددها الحريري لرئيس الجمهورية لحسم موقفه من التشكيلة الوزارية التي قدّمها له قبولاً او رفضاً، وهي تنتهي اليوم نهاراً او مساءً.

 

وواضح من رَد عون على سؤال الصحافيين له على المهلة التي حددها الحريري بقوله بالعامية «بيؤمر»، انه لم يَستسغ ان يحدد له مهلة لحسم موقفه من التشكيلة الوزارية الجديدة، وهو طالما فسّر الدستور على انه يمنحه «شراكة كاملة» في تأليف الحكومة مع الرئيس المكلف. في حين انّ تأليف كل الحكومات السابقة منذ إقرار «اتفاق الطائف» ودَستَرته لم يشهد جدلاً دستورياً في شأن صلاحيات رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، كهذا الجدل الحاصل الآن، والذي، في رأي كثيرين، يستبطِن إحداث أعراف ربما ستتسبّب بمشكلات كبيرة في الاستحقاقات الحكومية المقبلة.

 

على انّ بعض المعنيين بالاستحقاق الحكومي يؤكدون انّ اعتذار الحريري سيشكّل كارثة للبلاد على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية، ما يفرض على القوى السياسية المعنية الاسراع في تأليف حكومة لأنّ البلاد المنهارة على كل المستويات لا يمكنها تحمّل تَبعات هذا الاعتذار والبقاء بلا حكومة الى فترة اضافية جديدة. مع العلم أنّ عدم اعتذار الحريري واستمرارالتأليف الحكومي عالقاً بفعل الخلافات المستحكمة بين الجهات المعنية سيشكّلان كارثة ايضاً. في وقت مطلوب بإلحاح تأليف حكومة تضع البلاد على سكة الانفراج التدريجي في اعتبار انّ الانفراج الكلي مستحيل حصوله دفعة واحدة، فتسهر هذه الحكومة على إجراء انتخابات نيابية تُنتج طبقة سياسية جديدة تتكوّن منها سلطة جديدة.

 

ولكن الكارثة الكبرى التي ستحلّ بالبلاد ستكون في حال عدم الاتفاق على شخصية بديلة للحريري لتكليفها تأليف حكومة، وهنا ينقسم المعنيون في هذا المجال الى فريقين: فريق يقول بوجوب الاتفاق مع الحريري على شخصية لتأليف الحكومة تكون مقبولة لدى الطائفة السنية، والفريق الآخر يقول بعدم الوقوف على رأي الحريري لأنّ ما لم يتمكن الأخير من إنجازه لن يتمكن مَن يسمّيه او يبارك تسميته من إنجازه ايضاً، ثم انّ البعض يرى ان لا ضرورة لإشراك الحريري في اختيار خلفه في اعتبار انّ الرجل خاضَ تجربته بنفسه، وبالتالي ليس هناك من داع لإقحامه في تجربة غيره. كذلك ثمة من يقترح تجنّباً لنشوب خلاف على الحكومة الجديدة ان يتفق الجميع على حكومة محايدين او مستقلين من رئيسها الى وزرائها، لأنّ الدخول في تأليف حكومة «وفاق وطني» او «تكنوسياسية» (18 وزيراً من الاختصاصيين و6 وزراء من السياسيين) قد يجدد الخلافات نفسها السائدة، والتي تعطّل التأليف الحكومي من تكليف الحريري.

 

ويلفت البعض في هذا المجال الى انّ الدخول في تأليف حكومة من هذا النوع قد ينتهي بفشل لأنّ الشارع الناقم على الطبقة السياسية التي يتهمها بانهيار البلاد مالياً واقتصادياً وما يعيشه اللبنانيون من ويلات على المستوى المعيشي لا يمكن ان يقبل بها، وهو ما يزال على موقفه الداعي الى تأليف حكومة من المستقلين ينبغي على الجميع دعمها في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة وإجراء انتخابات نزيهة تتحقق فيها عدالة التمثيل الشعبي وشموليته وواقعيته، بحسب ما يقضي اتفاق الطائف والدستور الذي انبثق منه. ولذلك، عندما يقال انّ نادي رؤساء الحكومة السابقين لا يريد تسمية رئيس حكومة جديد من بين اعضائه او من خارجه، فذلك ليس تعبيراً عن زهد منه، وإنما إدراكاً لنقمة الشارع على الطبقة السياسية التي ينتمي اليها هذا النادي.

 

غير انّ كل المعطيات والمعلومات المتوافرة، والتي هي موضع الحديث في مختلف الاوساط السياسية، تؤكد انه ستكون هناك استحالة في اختيار بديل للحريري، بل وحتى في إجراء استشارات نيابية ملزمة جديدة، وانّ الوضع سيؤول الى ذهاب البلاد الى فراغ حكومي تملأه حكومة تصريف الاعمال التي سيكون عليها إجراء الانتخابات النيابية المقررة في الربيع المقبل، في اعتبار انّ المعطيات التي ترشح عن مواقف عدد من عواصم القرار الاقليمية والدولية تشير الى انها باتت لا تحبّذ، او غير متحمّسة لتأليف حكومة جديدة ستكون اليد الطولى فيها لقوى سياسية لا تجاري مواقفها او على خصومة معها، والمقصود هنا «حزب الله» مع حلفائه الذين يمتلكون الاكثرية في مجلس النواب الحالي، وإنما تحبّذ ان يُصار الى تقديم مساعدات إغاثية للبنانيين الذين باتوا وكأنهم نازحون داخل بلادهم، وذلك تحت عنوان منع انهيار لبنان التام الذي لا مصلحة لهذه العواصم ولا للجميع فيه، على ان تكون المعركة الفاصلة في الانتخابات النيابية المقبلة التي ستكون الغلبة منها لمَن يفوز بالاكثرية التي سيكون عليها إنتاج السلطة اللبنانية الجديدة.

 

ويقول البعض انه حتى اذا لم يعتذر الحريري واتفق مع عون على تشكيلة الحكومة الجديدة فإنّ كثيرين لا يتوقعون لهذه الحكومة ان تصنع المعجزات بين ليلة وضحاها، لأنّ الاستحقاق النيابي سيأخذ كل اهتماماتها واهتمامات الآخرين الطامحين الى تجيير هذا الاستحقاق بمجرياته ونتائجه لمصلحتهم.