لم يحظَ حدثٌ بهذا الكَم من السيناريوهات كما حظي حدثُ ترشيح رئيس تيار المردة الوزير سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية. والغريب في هذه السيناريوهات أنها كلها من النوع الصامت بشكلٍ يصعب معه تأكيدها أو نفيها، حتى لأصبحت من أكثر الأحداث غموضاً وألغازاً لكثرة ما شابَها من فبركات ومناورات ورسائل عابرة للمقرّات.
***
هذا الواقع مستمر من 17 تشرين الثاني الفائت وحتى اليوم. ففي ذلك التاريخ انعقد اللقاء الباريسي بين الرئيس سعد الحريري والوزير سليمان فرنجيه، ومنذ ذلك التاريخ نشطت السيناريوهات حول ردات الفعل وحول الخطوات اللاحقة:
فقيل إن إنتخاب الرئيس سيكون هدية الأعياد، وكان هذا أحد السيناريوهات الذي لم يتحقق.
وقيل إن الحكومة لن تعود إلى الإجتماع لأنها لم تعد حرزانة، فالرئاسة حاصلة وتشكيل الحكومة سيتم سريعاً، ولا لزوم لاستجداء الوزراء ليجتمعوا، وكان هذا أحد السيناريوهات الذي لم يتحقق.
***
ولعلّ أبرز السيناريوهات الذي أخذ حيّزاً كبيراً من الجدَل هو سيناريو تأييد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لرئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لوصوله الى رئاسة الجمهورية، رداً على ترشيح الرئيس سعد الحريري للوزير سليمان فرنجيه.
ما هي حظوظ هذا السيناريو من النجاح؟
الإنتخابات أصوات وليست تمنيات، وعقلنة وليست عواطف.
فإذا سلّمنا جدلاً بهذا السيناريو فإنه من المحتمل أن يتضمن الخطوات التالية:
يُعلِن الدكتور سمير جعجع تأييده العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
يزور العماد عون معراب كردّ تحية للدكتور جعجع على هذا التأييد.
يبدأ التطلّع إلى الجلسة الخامسة والثلاثين لانتخاب الرئيس، في 8 شباط المقبل، فماذا يسبق هذه الجلسة؟ وكيف سيكون الوضع عشية الوصول اليها؟
العمل أولاً سيكون على تأمين النصاب، فهل سيتم التوافق على نزول ستة وثمانين نائباً، الذين يؤمّنون أكثرية الثلثين، لانتخاب الرئيس؟
الرئيس بري سيكون في وضعٍ حرجٍ لا يُحسَد عليه، وبهذا المعنى هل يُقدم على هذه المجازفة أم تعود الإنتخابات الى المربع الأول؟ وهل يكون سيناريو عون – جعجع احدى المناورات قبل نضوج التسوية.
ولكن حتى لو انعقدت الجلسة وكان المرشحان فيها العماد عون والوزير فرنجيه فإن
البوانتاج يُرجِّح فوز فرنجيه، وهذا ما يدركه الجميع لأن الأرقام في مثل هذه المعركة ليست وجهة نظر بل مبنية على إحصاءات دقيقة.
أكثر من ذلك، ما هو العيب في ترشيح الرئيس الحريري للوزير فرنجيه؟ فإذا كانت الحجة انه حليفٌ لسوريا، فإن العماد ميشال عون الذي يمكن ان يرشحه سمير جعجع هو حليفٌ لسوريا وحزب الله في آن واحد، وهو الذي وقّع ورقة تفاهم مع حزب الله وهذه الورقة سارية المفعول منذ العام 2006.
المصادر التي تؤكد هذه المعطيات تختم: لتأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها، ولكن ماذا سيقول سمير جعجع لقاعدته؟ هل سيقول لهم إنني رشحت عون حليف حزب الله وايران اذا فعلها سيكون خسر قاعدته دون أن يربح قاعدة التيار الوطني الحر.
***
الرئيس سعد الحريري مُدرِكٌ لكل الحقائق، وهو لا يتعاطى وفق سيناريوهات بل وفق وقائع واعية. فبالنسبة اليه الحقائق الواعية هي التالية:
كتلة المستقبل النيابية وتيار المستقبل متماسكان أكثر من أي يومٍ مضى. لا أجنحة ولا تصنيفات في كتلته، فلا صقور ولا حمائم ولا متشددون ولا معتدلون، بل حقيقة واحدة المستقبل هو الإعتدال والشراكة. النقاش غني داخل المستقبل لكن حين يُتخَذ القرار فالجميع يلتزم. كتلة الرئيس الحريري تكاد تكون الوحيدة في لبنان التي ليس في خطابها السياسي مصطلحات من مثل انشقاق، انكفاء، استقالة.
هل يُقدم الدكتور جعجع على ترشيح العماد عون؟