تعقيدات وألغام بالجملة تؤخّر المخاضَ الحكومي. منها الكلاسيكي والآخَر قد يقتحم بازار التفاوض، من خارج السياق في ربع الساعة الأخير حين يفلش الجميعُ أوراقه على الطاولة بعد النزول عن شجرة السقوف العالية. كلّ هذا لا يَحجب واقعَ أنّ «صقوراً» ستغادر و«ثوابت» لن يزحزحَها «عَصفُ» التفاوض في الغرف المغلقة.
لن يكونَ سهلاً التسليم، وباكراً جداً قبل أسابيع من وضعِ المسوّدة الحكومية الأولى، أنّ وزيراً كنهاد المشنوق بات خارجَ التركيبة السلطوية بمعناها التنفيذي. بضعة صوَر وفيديوهات نشرَها وزير الداخلية على صفحته على «تويتر» أخيراً تُظهر أنّ العلاقة لم يَضربها «إعصار» إخراج الرَجل القوي من الحكومة بعد أربعة أعوام وأربعة أشهر على تعيينه للمرّة الأولى وزيراً للداخلية في حكومة الرئيس تمّام سلام.
قُضي الأمرُ والحريري سيمشي بخيار فصلِ النيابة عن الوزارة. السؤال الذي سيَلي الاستغناء عن خدمات المشنوق في وزارة الداخلية، من سيَخلف الوزيرَ البيروتي الذي لا يشبه أحداً ممّن عملوا إلى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري ثمّ الرئيس سعد الحريري. شخصية مثيرة للجدل لا يزيد من سطوتِها سوى شبكة العلاقات التي نسجَها المشنوق، على مرّ السنوات الماضية، مع مفاتيح خارجية وسَّعت بيكارَ دورِه كنائبٍ أو وزير. هو لا يشبه إلّا نفسَه. قبل أن ينقسم الرأي العام حول شخصيته وأدائه ومواقفه، وجد سريعاً من يحاربه من داخل «البيت المستقبلي». هي المنافسة على الدور وعلى حجز المكان الأقرب إلى الحريري.
في استشارات التكليف ثمّ التأليف قام المشنوق بالواجب. سمّى الحريري عن اقتناع مطلق ثمّ استمع إلى النائب بهية الحريري في شأن مطالب «الكتلة» أمام الرئيس المكلف. لكنّ وزير الداخلية في المحطتين لم يَظهر في كادر الصورة إلى جانب «زملائه» خلال حديث النائب بهية الحريري إلى الإعلاميين.
إنحسارُ الدور إلى مجرّد نائب عضو في كتلة «المستقبل» قد يفرض على المشنوق طقوساً مختلفة في التعاطي مع أهل «بيته». هو اليوم زميل سامي فتفت وطارق المرعبي ورولا الطبش ووليد البعريني… «زعيم» الداخلية لا تناسبه أدوار «الكومبارس» وربّما لم يُخلق أصلاً لأجلِها. يَجدر فقط التساؤل عن «التعويض» الذي يمكن أن يناله، وذلك من خلال بقائه في دائرة «المقرّرين» والقريبين من «الشيخ». قبل أيام شكرَ الحريري في إفطار العائلات البيروتية، «الأخ والصديق» المشنوق «الذي كان يقف إلى جانبي»!
«صقرٌ» آخر سيصبح وزيراً سابقاً، هو يوسف فنيانوس. لا حقيبة وزارة الأشغال ستبقى في يد «المردة» ولا الوزير «الشرس»عائد إلى السراي الحكومي. منذ أن حُجِزت له حصّة في الحكومات المتعاقبة لم «يمدّد» زعيم «المردة» سليمان فرنجية ولاية أيّ وزير ممّن اختارهم ليمثّلوه في الحكومة. فنيانوس رَجل ثقة لدى فرنجية، وكذلك لدى «حزب الله». كان من السياسيين القلائل جداً الذين واكبوا واطّلعوا على العملية التي نفّذها «حزب الله» في تمّوز العام الفائت في جرود عرسال والقلمون.
من يعرف ابنَ زغرتا جيّداً يعلم أنه يعشق الظلّ أكثر بكثير من الأضواء. كُلِّف بمجرّد «مهمّة» يوم عُيِّن وزيراً للأشغال، من حصّة حركة «أمل» لمصلحة فرنجية، ونفّذها على أكمل وجه طالما هذه «أوامر البيك». أدوار الظلّ التي لعبَها وعسكر «حزب الله» ورجالاته الكبار الذين جالسَهم وناقش معهم أوضاع المنطقة وسوريا وشربَ الشاي معهم مفترشاً الأرض، هي الأحبّ إلى قلبه بكثير من زواريب الوزارات و»سخافات» بعض أهل السياسة. الرجل المضاد للاستفزاز يُزعِج ولا ينزَعج. لم يَظهر الى الإعلام إلّا حين اقتضَت الضرورة ذلك. لم يفتش عن شعبية ولم يشاكس في مجلس الوزراء مجاناً. هكذا خاض معركة إحالةِ ملفّ البواخر الى دائرة المناقصات، وقدّم في مناقصة «السوق الحرة» في مطار بيروت نموذجاً في تلزيمات وزارة الأشغال، على حدّ قوله.
في مقابل «الصقور» المغادِرة العملَ الحكومي ثمّة وزراء من الثوابت أقلّه في الحكومة المقبلة. إسمان يطنّان مثل «ماركة مسجلة» باسم الحكومات جبران باسيل وعلي حسن خليل.
باسيل عائد وبقوّة، ومن منَحه حقّ «الفيتو» على قرار فصلِ النيابة عن الوزارة هو الحريري نفسُه بمجرّد كونه رئيسَ حكومة ونائباً منتخَباً. في الشكل هي حجّة باسيل للبقاء في الحكومة. في المضمون أوساط وزير الخارجية تقرّ «لم يحِن بعد وقتُ خروج باسيل من دائرة السلطة التنفيذية ومن حضوره الشخصي لجلسات مجلس الوزراء، ما يعني ذلك الإدارة المباشرة للملفات التي تُطرَح على الطاولة».
في هذا السياق، كان لافتاً وعلى رغم من دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون كافة القوى السياسية إلى التزام مبدأ «الفصل»، خروجُ أصوات من داخل تكتّل «لبنان القوي»، الذي خاض الانتخابات باسم «العهد» ودعماً له، تطالب بعدمِ «الفصل» وتُزكّي باسيل خياراً يصعب الاستغناء عنه!
في مقلب عين التينة، لا يوازي تمسّكُ الرئيس نبيه بري بحقيبة وزارة المال سوى تمسّكِه بالوزير علي حسن خليل على رأسها. وعلى الرغم من التسريبات التي تتحدّث عن شخصيات قريبة من عين التنية قد تخلف خليل في هذه الوزارة، فإنّ المعلومات تفيد أنّ «الحاج علي» هو الاسمُ الثاني الثابت على لائحة التوزير بعد محمّد فنيش وزير «حزب الله» الذي كان الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله قد أعلن لدى إطلاق ترشيحات الحزب إلى الانتخابات، أنه سيعيَّن وزيراً في الحكومة المقبلة.
يُعتَبَر خليل أحدَ أهمّ الوجوه التي أفرزَتها تجربة حركة «أمل» في السلطة وأكثرها ديناميكية وفعالية. هو رَجل برّي الأول في المهمّات الصعبة والدقيقة، السرّية والعلنية. دفاتر «المحاضر» التي يملكها، حيث دأبَ منذ سنوات طويلة على أرشفةِ مئات اللقاءات والمحطات والاستحقاقات، تشكّل موسوعةً سياسية متكاملة، بما فيها جلسات مجلس الوزراء. المعاون السياسي لبرّي حصان عين التينة الأوّل في حكومة ينتظرها كثيرٌ من المواجهات والصدامات…