Site icon IMLebanon

زعامة الحريري.. الرقم الصعب  

ما اشبه اليوم بالبارحة، عام 1990 حمل الرئيس رفيق الحريري قضية وطنه الجريح لبنان بعد حروب عبثية استمرت خمسة عشر عاما، عاثت فيها ميليشيا قوى الامر الواقع وامراؤها فسادا وافسادا وسرقة ونهبا حتى تحول لبنان وعاصمته بيروت الى مستنقع لكل اخطاء وخطايا المنطقة وصراعاتها، وها هو الآن الرئيس سعد الحريري الابن بعد ربع قرن يحمل القضية عينها والجرح ذاته، بعدما كاد الوطن مجددا ان يتوزع غنائم بين المشاريع المذهبية والطائفية والعرقية المتصارعة في سوريا والعراق واليمن برعاية اميركية وروسية وتلاقي المصالح الايرانية والاسرائيلية.

فمنذ عام 2005، عام الغدر والحزن الذي استشهد فيه الرئيس الحريري الاب، حمل الرئيس سعد الحريري الأمانة الملتهبة، امانة بناء الدولة ومؤسساتها، دولة المواطنة والعيش الواحد بين اللبنانيين، وعلى الرغم من حروب الالغاء التي قادها «حزب الله« بالتعاون مع مرتزقة ايران في لبنان، بقي الحلم عند الرئيس سعد الحريري هو الحلم، وبقي الوفاء هو الوفاء والذي تجلى في العديد من الجولات الانتخابية النيابية وغيرها والتي كرست الرئيس سعد الحريري زعيما وطنيا ببعد عربي، وكان آخرها معركة المجلس البلدي في بيروت والتي رافقتها حملات اعلامية مركزة ومضادة من كل الوسائل الاعلامية المتواطئة والممولة او التابعة للمحور الصفوي الايراني وحلفائه قبل الانتخابات واثناءها وبعدها، لاستهداف الرئيس الحريري وقيادته الوطنية وزعامته الاسلامية والتي حصد فيها ثقة ومحبة ووفاء الطيبين من ابناء بيروت واهلها البيارتة على الرغم من طعنات الغدر من الخصوم، وتقصير بعض الحلفاء الذين توافقوا ضمنا بحسن نية او بسوئها على توجيه ضربة قاسية لتحطيم حلم الرئيس سعد الحريري بأن تكون بيروت المثل والمثال في المناصفة والوحدة في ظل التنوع على الرغم من تفوق المسلمين عددا على اقرانهم من ابناء سيدة العواصم بيروت.

كثيرة هي الخيوط وتقاطع المصالح بين الاضداد التي برزت في انتخابات المجلس البلدي للعاصمة بيروت، فلقد كان الرئيس الحريري صادقا سرا وعلانية في احتضان ودعم لائحة التوافق بين الفرقاء المتقاربين والمتباعدين، في حين رأى الخصوم وبعض الحلفاء بحسن نية او إهمال او عدم مبالاة الفرصة مناسبة لتشوية وتحجيم القيادة الوطنية للرئيس سعد الحريري انطلاقا من مقره الاساسي في بيروت، وقد اظهرت نتائج صناديق الاقتراع حقيقة المواقف التي انكشفت على حقيقتها، فكان الوفاء والاخلاص سمة الصادقين والاوفياء والشرفاء من ابناء العاصمة بيروت رغم قلة الخدمات وندرة المساعدات الصحية والاجتماعية التي اعتاد عليها اصحاب الحاجة في بيروت والعديد من المناطق اللبنانية اضافة الى غياب الرئيس الحريري القسري عن اهله وابناء وطنه لعدة سنوات ماضية .

انتصر حلم الرئيس الحريري بالحفاظ على العيش المشترك والمناصفة والوحدة مع التنوع بفوز لائحته بكامل اعضائها في انتخاب المجلس البلدي لبيروت تمهيدا لقيام دولة المواطنة، وهزمت بذلك مشاريع الاستقواء بالسلاح والعصبيات والكراهية ومشاريع الفدرالية التي تسعى اليها اسرائيل جنوبا وايران شرقا .

وحتما انتصار حلم الرئيس الحريري في بيروت سيكون مقدمة لانتصار الحلم نفسه في طرابلس وصيدا وعكار وبقية المناطق اللبنانية، وليكن بعدها الانتخابات الرئاسية والمجلس النيابي تأكيدا على انتصار مشروع المواطنة لا مشروع التبعية لإيران وصفويتها الحاقدة، ليبقى لبنان سيدا حرا عربيا مستقلا، بعيدا عن جاذبية المشروع الصفوي الايراني وارهاب المشروع الصهيوني، فكلا المشروعين يستهدف الارض والانسان والعقيدة والهوية العربية المؤمنة في هذا الشرق، والسؤال الكبير الذي يدور في افكار وعقول المراقبين لمصلحة من استهداف زعامة الرئيس سعد الحريري ودوره الوطني الجامع؟ ولمَ تلاقت العديد من الاطراف والقوى المتناقضة التي هي خارج اللائحة او المشاركة في اللائحة التوافقية، ولمَ التقاعس والوقوف على الحياد او دعم اللائحة المنافسة ضمنا؟ 

فهل المطلوب ان يتحول تيار «المستقبل« الى تيار طائفي متطرف ليكون شبيها بالقوى المذهبية والطائفية الاخرى كي يعطي تبريرا لممارسات الآخرين بالتقوقع والانعزال؟ ام ان الرئيس سعد الحريري وتياره السياسي لديهما مناعة ايمانية ووطنية وعربية صادقة لا يقوى عليها المحور الصفوي الايراني واذرعته ؟ وقد اكدت زعامة الحريري وتياره السياسي انه كان وسيبقى الرقم الصعب في المعادلة الوطنية وسيبقى عابرا للطوائف ومذاهبها لان المسلمين السنة في لبنان كانوا ومازالوا روادا للوطنية والعيش المشترك وحراساً اصلاء للعروبة الحضارية في لبنان، وعبثا حاول ويحاول الخصوم وحلفاؤهم ومن يرعاهم اقليمياً. 

() رئيس المركز الاسلامي للدراسات والاعلام