لا زال البعض في لبنان يحاول تحوير الحقائق واعتبار ان رئيس الحكومة سعد الحريري قدم الاستقالة قبل حوالى 20 يوماً من السعودية نتيجة قناعة لديه، وان النظام السعودي لم يفرض الاقامة الجبرية على رئيس الحكومة، بهدف دفع لبنان نحو الفوضى واستجداء العدوان الاسرائيلي لضرب المقاومة.
ويؤكد مصدر سياسي بارز في قوى 8 آذار ان على هؤلاء الذين لم يتعلموا من كل رهاناتهم الفاشلة ان يعودوا الى ما اعلنه الحريري نفسه بعد عودته الى بيروت، ولذلك يلاحظ المصدر اربعة وقائع بهذا الخصوص:
– الواقعة الاولى: الاشادة الاستثنائية من جانب رئيس الحكومة بكل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، اضافة الى اعرابه عن امتنانه لتضامن اللبنانيين معه.
– الواقعة الثانية: الاستقبال الشعبي الذي اعده تيار المستقبل لرئيسه في بيت الوسط، بعد مشاركته باحتفال الاستقلال والتهاني في بعبدا، بحيث ان قيادة المستقبل ما كانت لتدعو الى هذا الاستقبال للحريري لو انه كان مقيماً في السعودية بشكل طبيعي ولو لم تفرض عليه الاستقالة، بل محاولة انهائه سياسياً.
– الواقعة الثالثة: مضمون المواقف التي اطلقها الحريري امام التجمع الشعبي في بيت الوسط، ودعوته ولو بطريقة غير مباشرة الى المسؤولين السعوديين ان من له عيون فلير، ومن له آذان فليسمع وما الى ذلك من عبارات مماثلة.
– الواقعة الرابعة: ما تضمنه بيان التريث بالاستقالة من كلام معتدل يطوي الكثير من الرسائل باتجاه السعودية بما يتناقض مع مضمون بيان الاستقالة الذي كان اعلنه من الرياض.
لذلك، فالسؤال الاول الذي لا بد منه ما هي حقيقة الظروف والمعطيات التي ادت الى تغيير النظام السعودي لمنطق التصعيد الذي لجأ اليه، عندما فرض الاستقالة على الحريري، بهدف دفع لبنان نحو اللااستقرار والفوضى؟
وفق المصدر السياسي، ان مخطط محمد بن سلمان سقط منذ اللحظة الاولى التي اندفع بها نحو حافة الهاوية لاسباب ومعطيات داخلية وخارجية باتت معروفة لدى كل المطلعين على ما حصل لبنانياً ودولياً، الا ان المصدر يشير الى ان تصرفات واداء بن سلمان اظهرت انه قليل الخبرة ويفتقد الى التجربة، فما قام به لم ينتج فقط فشلاً للسياسة السعودية، بل ادى الى عكس ما اراد من وراء مخططه لضرب لبنان واستقراره، وهو الامر الذي يمكن ملاحظته في الامور التالية:
– الامر الاول: ان هذه السياسة المبسطة والعديمة الخبرة ادت الى اوسع حملة دعم دولية واقليمية للبنان، بل اظهرت بردات الفعل الخارجية ان هناك قراراً دولياً اكبر من السعودية واكبر من بن سلمان يرفض تعريض لبنان للمخاطر والاهتزازات الداخلية.
– الامر الثاني: ان لبنان اقوى بكثير مما كان يعتقد، خصوصاً في ظل وجود رئيس للجمهورية صلب وقوي، يرفض المس بكرامة لبنان وابنائه، وفي ظل احتقان لبناني شامل لسياسة رئيسه ورافض لكل من يحاول فرض ارادته على لبنان.
– الامر الثالث: الحرص الكبير الذي ابداه حزب الله على الاستقرار الداخلي الذي عبر عنه الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله في اطلالاته الثلاث منذ احتجاز الحريري الى ما بعد اطلاق سراحه، وصولاً الى انفتاحه على كل ما يبعد لبنان عن الصراعات الاقليمية.
– رابعاً: ان هذه السياسة الفاشلة للنظام السعودي قدمت اوراق مجانية لحزب الله وايران، من حيث انكشاف حقيقة المسعى السعودي لاثارة الفتن في المنطقة خدمة لكيان العدو الاسرائيلي.
– خامساً: ان هذه السياسة ادت الى خسارة الوسط السني في لبنان، بدءا من تيار المستقبل، ولو ان الاخير اراد الحفاظ على «شعرة معاوية» في علاقته مع النظام السعودي، وحتى انه خسر على مستوى الطائفة السنية في الساحة العربية والاسلامية، والدليل على ذلك الاف الاصوات التي تعالت في اكثر من دولة عربية ضد تصرفات الـ سلمان خاصة في مصر، ويقول المصدر ان ما تضمنه بيان كتلة المستقبل، والمكتب السياسي والمكتب التنفيذي في تيار المستقبل يوم الخميس الماضي من حيث تعبيره عن ارتياحه لعودة الحريري الى موقعه الطبيعي وتجاوبه مع تمني رئيس الجمهورية بالعودة عن الاستقالة.
وكذلك اشادته بالتجمع الشعبي في بيت الوسط كل ذلك مؤشرات ورسائل موجهة للسعودية على الرغم من دعوة الاجتماع لاعادة الاعتبار لسياسة النأي بالنفس.
– سادساً: ان ما قام به بن سلمان اعاد تعويم الحريري سياسياً وشعبياً بعكس الارادة السعودية التي ارادت انهائه سياسياً وتنصيب شقيقه بهاء الحريري في زعامة المستقبل والطائفة السنية.