العودة الى العمل السياسي وُضعت على جدول الأعمال داخلياً وخارجياً
من السذاجة القول ان الرئيس سعد الحريري جاء هذه المرة الى بيروت في ذكرى استشهاد والده ليكتفي بالقول ” كل شي بوقتو حلو”، لكن في الوقت نفسه لا يجب تحميل اطلالته المباشرة من بيروت هذا العام وسط هذه المشهدية السياسية والشعبية اكثر مما تحمل.
يغادر الحريري نهاية هذا الاسبوع المدينة التي احبها واحبته، عائدا الى مقر اقامته المؤقت في دولة الامارات العربية المتحدة، على امل عودته الى بلده نهائيا واستئناف تأدية دوره السياسي، الذي علقه تحت وطأة اسباب وظروف داخلية وخارجية.
وتختلف التفسيرات لحضوره المميز هذا العام، لكن هناك اجماعا ان هذا الحضور يختلف عن السابق، ويحمل في مضامينه رسائل واضحة الى الداخل والخارج. ويقول احد النواب الذين التقوه في بيت الوسط، انه لم يتخل عن حرصه الشديد على عدم الدخول في الحديث السياسي حول الساحة الداخلية وتعقيداتها، وانه الزم نفسه بان يكون مستمعا فقط الى زواره على اختلاف ميولهم. ويمكن القول ايضا ان معظم لقاءاته غلب عليها الطابع ” البروتوكولي السياسي”، باستثناء بعض اللقاءات التي يفترض ان يكون الحديث فيها قد توسع الى الوضع السياسي وتفاصيله، مثل لقائه المطول مع الرئيس نبيه بري، واللقاء مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في السراي الحكومي، ومع صديقه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، الذي خصه بلقاء مطول الى مائدة العشاء.
ويقول المصدر ان هناك استنتاجا عاما من المشهد الذي رافق عودته الى بيروت منذ اللحظة الاولى، وهو ان حضوره هذا العام عكس رسالة اولى مفادها ان “تيار المستقبل” ما زال حاضرا بقوة في المعادلة الشعبية والسياسية رغم قرار تعليق العمل السياسي، وان كلام بعض الذين خرجوا من تحت عباءة التيار، او بعض الذين كانوا يقفون في صف الحلفاء او بعض الخصوم بان تيار الحريري ضعف وترهل، هو مجرد ارهاصات لا تعكس الحقيقة والواقع.
وما يعطي صدقية لهذه الرسالة الحضور القوي والحشد الكبير الذي غصت فيه ساحة الشهداء من كل المناطق بصورة تختلف عن العام الماضي.
ومما لا شك فيه ان تقاطر الشخصيات ووفود القوى السياسية وعدد من سفراء الدول المؤثرة الى بيت الوسط، شكل بدوره اعترافا صريحا بقوة وحضور الحريري وتياره، وبالفراغ الذي احدثه قراره بتعليق عمله السياسي.
ما هي رسالة الحريري الى الخارج؟ يحرص المقربون من الحريري ان مشهد عودته الى بيروت اليوم غير مرتبط بالرغبة في توجيه رسائل الى الداخل او الخارج، بقدر ما يعكس حقيقة لم يحجبها قرار تعليق عمله السياسي، وهي ان تياره حاضرا بقوة على الساحة الوطنية والشعبية، وما زال متمسكا بقيادته ومتشوقا لعودته اكثر من اي وقت مضى. ويرى هؤلاء ان قرار عودته الى العمل السياسي مرهون بتطورات ومتغيرات، من شأنها ان تعالج اسباب قراره.. ويلمحون الى الظروف المستجدة بعد حرب غزة، والتي تؤشر الى ان المنطقة ذاهبة الى تسوية ستنعكس حكما على لبنان، وبطبيعة الحال سيكون للحريري دور اساسي في المعادلة الداخلية.
لكن قياديا حزبيا يعتبر ان الرسالة الاساسية من مشهد حضور الحريري في ذكرى استشهاد والده موجهة الى الخارج، في ظل المناخ والتطورات بعد حرب غزة وما سبقها من محطات على صعيد العلاقات الاقليمية، لا سيما الاتفاق السعودي – الايراني. ويضيف ان هذه الرسالة الى الخارج تشمل المملكة العربية السعودية، التي تلعب اليوم دورا مهما واساسيا على الصعيدين العربي والاقليمي. وهذه الرسالة الى الخارج ومنها الى المملكة مفادها، ان هذا الحضور الشعبي والسياسي القوي لتيار الحريري، يشكل عنصرا مهما لتعزيز خطاب
” الاعتدال والوسطية ” في لبنان، وهذا ما ركز عليه الحريري في حديثه لمحطة “العربية” السعودية. ومما لا شك فيه، بحسب المصدر، ان تخصيص هذا الحديث المقتضب للمحطة السعودية، وتغطية المحطة المذكورة لمهرجان ذكرى ١٤ شباط، لا بد من التوقف عندهما وقراءة مغزاهما.
وفي شأن الرسائل الموجهة الى الداخل، يبرز كلام الحريري للمحطة السعودية عن اتفاق
” ربط النزاع ” مع حزب الله وعن الاتفاق السعودي – الايراني. وبرأي الاوساط المراقبة ان هذا الكلام يعكس بوضوح الاستمرار على هذا الاتفاق وهذا النهج مع الحزب، الذي قطع الطريق على حدوث فتنة في البلاد. وتلفت ايضا الى ان محطة “المنار” التابعة لحزب الله نقلت هذا العام مباشرة مشهد الاحتفال بذكرى استشهاد الرئيس الحريري وكلمة الشيخ سعد المقتضبة.
وفي سياسة الباب المفتوح لجميع زوار بيت الوسط، اراد الحريري ان يقول انه منفتح على الجميع، ولا يحبذ سياسة القطيعة والمقاطعة رغم مآخذه على مواقف بعض الاطراف السياسية، ومنها “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، حيث زاره وفد موسع منها، بينما وضعت زيارة النائب آلان عون في خانة الزيارة الفردية، وان عبّر عن ترحيب “الوطني الحر” بعودته الى العمل السياسي، وتردد انه جرت محاولة زيارة وفد من التيار للحريري دون ان يعرف مصيرها.
وفي الخلاصة، يبدو ان عودة الحريري قد وضعت على السكة، لا سيما ان عناصرها الداخلية والخارجية هي قيد التنضيج. ووفقا للاوساط المراقبة، ان مشهد عودة الحريري في ذكرى استشهاد والده هذا العام يؤكد ان هذه العودة وضعت على جدول الاعمال داخليا وخارجيا، ليكون شريكا اساسيا في المرحلة المقبلة.