«قولوا للجميع انكم عدتم وانّو البلد ما بيمشي من دونكم». قد تكون الرسالة الأقوى التي اختصر فيها الرئيس سعد الحريري زيارته وكل ما «قيل وقال». وهو توجّه من خلال هذه العبارة الى أنصاره طالباً منهم القول لجميع الاطراف وفي الداخل تحديداً انهم «عادوا»، وانّ غربته السياسية لها توقيت ونهايتها قريبة. أمّا الشق الثاني من الرسالة «قولوا للجميع انّ البلد مِن دونكن ما بيمشي لأنّكُن نَبض البلد»، فقد أرادها رسالة للخارج وتحديداً للغرب والعرب، وللقول لهؤلاء إنّ الحريرية السياسية التي اتفقتم على استبعادها من الساحة السياسية اللبنانية أثبتت بأنها نبض البلد وانّ البلد من دون نبضه لا يعيش.
هاتان الفكرتان اختصرتا ما يدور في رأس الحريري سواء لمستقبله السياسي او لمستقبل «التيار» الذي بَدا متعطشاً لعودته، فلم يرتوِ من رسائل زعيمه المطمئنة بل ارادها جهارة وبالفم الملآن. الّا انّ الحريري الذي أثقلته التجارب ادرك مؤخراً انّ التهور والعراضات على المنابر كانت لوازم الماضي، امّا اليوم فقد اصبحت لزوم ما لا يلزم. وأدرك أنّ النضج السياسي يلزمه صمت حتى لا يدفع ثمن التسرّع ولأن «كل شي بوَقتو حلو».
رسالة الى المسيحيين
وفق المعلومات ان سعد الحريري تلقى اتصالا من الرئيس ميشال عون فقط ولم يتلق اي اتصال من القادة المسيحيين لا جعجع ولا باسيل لكن وفد حزب القوات اللبنانية كان الأبرز وفق مشهدية الوفود الرسمية الحزبية ووفق المعلومات ان الرسالة الابرز ان لم نقل النصيحة الابرز فقد توجه بها الحريري للمسيحيين وتحديدا لوفد حزب القوات اللبنانية محذراً اياهم من ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس متخوفاً من فقدان المسيحيين مراكزهم في الدولة يوما بعد يوم … وضمناً كأنه عنى رئاسة الجمهورية!
وفق المقربين من الحريري فانه اراد من خلال هذه النصيحة تحذير المسيحيين من ان آداءهم قد يفقدهم مراكزهم في الدولة اذا طال الشغور لأنهم الحلقة الاضعف وقد يدفعون ثمن اي تسوية تطرح تغيير النظام وإن الامر سينسحب تلقائيا على موقع رئاسة الجمهورية بخاصة اذا لم يقدم المسيحيون التنازلات…فيما لم يُفهم من كلام الحريري اذا كانت نصيحته رسالة ام تحليل شخصي بحسب احد الحاضرين!
الحريري والعودة
وعن موعد عودة الحريري الى السياسة قال مستشاره للشؤون الخارجية جورج شعبان لـ»الجمهورية» إنها حاصلة لا محال، تاركاً الاعلان عن تاريخ الموعد للظروف الاقليمية المناسبة، والتي لو سُئل عن رأيه بها من قبل الحريري، لأجابه أنه لا يحبّذها في هذه المرحلة، بحسب تعبير شعبان.
في المقابل لفت شعبان الى مؤشرات عدة تمهّد لعودة الحريري ودلالات على مباركة سعودية لعودته السياسية، إنما تبدو حتى اللحظة موافَقة حَذِرة متأنية وصامتة…
أبرز هذه المؤشرات:
1 – الدعوة التي وجّهها وزير الخارجية الروسي بوغدانوف الى الرئيس الحريري لزيارة روسيا. وقد كشف شعبان في هذا الاطار أنّ بوغدانوف كان قد أصرّ على الحريري يوم اعلان استقالته من العمل السياسي على ألا يفعل ذلك، إلا انّ الحريري أصرّ على قراره. اما اليوم فإنّ موافقة الحريري على تلبية الدعوة الروسية مؤشّر على عدوله عن قرار التحرك سياسياً، وذلك إن دلّ على شيء فهو يدل على موافقة ضمنية خارجية عربية أعطت غطاءً للتحرك السياسي الخارجي، الا انّ الحريري ينتظر التوقيت الملائم لتلبية الدعوة، بحسب مستشاره للشؤون الخارجية.
2 – من أبرز المؤشرات ايضاً المقابلة الحصرية التي أجرتها قناة «العربية» مع الحريري في بيروت من بيت الوسط، والمحسوبة على المملكة العربية السعودية، والتي لم تكن لولا الموافقة السعودية، علماً انّ تلفزيون «العربية» كان قد واكبَ زيارة الحريري منذ وصوله في اليوم الأول، وهو مستمر في مواكبته حتى يومنا هذا…
3 – تمديد زيارته حتى نهاية الاسبوع، والتي سيستقبل خلالها يومياً وفوداً من مختلف المناطق اللبنانية، الامر الذي لم يفعله في الزيارة السابقة حين اكتفى بزيارة الضريح والمغادرة في اليوم التالي. علماً انّ الهدف الاساسي من زيارة الحريري هو لقاؤه مع ناسه وانصاره وليس مع السياسيين، بحسب المقرّبين منه، خاصة انّ انصاره والمحسوبين عليه شعروا انّ البعض بدأ يَستسهل التعرّض للمراكز السنية في الدولة ويستضعفونهم في غيابه ويحاولون الاطاحة بمراكزهم.
4 – الحشود القادمة بالآلاف من مختلف المناطق اللبنانية، والتي لا يمكن ان تكون مُدبّرة من قبل انصار تيار المستقبل فقط، بل من الموكد انّ مباركةً سعودية تدعمها بطريقة او بأخرى…
هذا من حيث المؤشرات، امّا من حيث الشكل فقد أثبت انصار الحريرية السياسية انهم توّاقون الى عودة «سعدهم» كيفما كان، وهم يَعون اليوم انّ الحريرية لم تعد مصدراً للأموال كما كانت سابقاً، وهم أدركوا جيداً أنّ زعيمهم مُفلس مادياً ولا يحظى بدعم خارجي للعودة، الا انهم بالرغم من ذلك رَضخوا للأمر الواقع وجابوا الشوارع وبايَعوه «عالحِلوة والمرّة» بانتظار إعلانه شخصياً العودة السياسية.
هل حان الوقت؟
عن هذه العودة، يقول مقرّبون من الحريري انها سوف تكون حُكماً وفق تسوية كبيرة في المنطقة، خاصة انّ الكل يتكلم عن تسويات بعد غزة. وعليه، مَن سيُمثّل هذا الطرف الوطني السني على الطاولة؟ ولذلك اراد الحريري من خلال زيارته اليوم وفي هذه المرحلة تحديداً القول للذين يريدون إبعاده عن هذه الطاولة انّ التسوية لن تقوم اذا تمّ إقصاء الحريرية السياسية، فحجز لها مكاناً مُبرهناً بالصوت والصورة لسفراء اوروبا والولايات المتحدة وللعرب الذين طالبوه بالانسحاب من المعادلة واستبداله بالتغييرين بأنّ خياراتهم لم تكن صائبة ولا في محلها، لأنّ التشرذم ضَعضع هؤلاء وقسّمهم وطاب لبعضهم الانخراط في الاجندات…
وفق مستشار الحريري جورج شعبان، انّ رئيس تيار «المستقبل» الذي رضَخ منذ سنتين لمطالب الشرق والغرب والعرب مُكتفياً بالمراقبة من بعيد، يعود اليوم من بيت الوسط ليثبت أنّ الحريرية السياسية كانت وستبقى وحدها مرتعاً للاعتدال السني الذي كانت ستفتقده الطائفة لو استمر غياب الحريري في ظل خشيةٍ روسية وأميركية من اجواء التطرف في لبنان، والتي تدفع بالشباب السني الى الانخراط فيه في غياب زعامة سنية معتدلة تحتضنه. ولأنّ هذا التطرف مُقلق للداخل والخارج، والمطلوب هو الاعتدال، لذلك إنّ روسيا واميركا واوروربا تدعم اليوم عودة الحريري… خاصة انّ كافة الاطراف من العرب والفرنسيين وغيرهم، حاولت إيجاد بديل للحريري، لكنها لم تنجح.
حركات أصولية تتحرك
اليوم، وفي ظل معلومات أمنية خطيرة تتحدث عن محاولات لِجَر شباب الطائفة السنية للانضمام الى بعض الحركات الأصولية المتشددة وسط ضياعهم وافتقادهم لزعامة معتدلة في وقت لم تستطع أي شخصية سنية ملء الفراغ الذي تركه استشهاد الاب ولا غياب الابن عن الساحة اللبنانية، يقول مستشار الحريري للشؤون الخارجية: «قد تكون هذه المحاولات الحافز الأكبر لتحرّك الحريري الذي يسعى الى حَمل مشروع وطني أكثر ممّا هو مشروع سني. ولذلك، إنّ الكثير من المسيحيين مع هذا المشروع.
في المقابل يلفت شعبان الى انّ الحريري لا يمكنه اليوم العودة من دون ان يحمل هذا المشروع، ومن دون كتلة نيابية تواكبه في البرلمان او في الحكومة ! لكنه حتماً سيعود عندما يحين الوقت حاملاً مشروعه… امّا بالنسبة لزيارته الى موسكو، فيكشف شعبان أنّ الحريري لم يقطع التواصل واللقاءات الخارجية إنما كانت بعيداً عن الاعلام، بعكس الايام المقبلة التي سوف يتم الاعلان فيها عن كافة نشاطات الحريري وتحركاته.