كشفت تحركات الرئيس سعد الحريري، الداخلية والخارجية، الهادفة لحل ازمة الشغور الرئاسي المستفحل منذ 28 شهرا مواقف مختلف الاطراف المحلية. فقد اوضحت ان «حزب الله» يتمسك باستمرار الفراغ عبر مناورات لم تعد تنطلي على احد وتفضحها جملة معطيات، فيما غالبية الساعين الى ملء الفراغ الرئاسي تعارض ان يتم ذلك حصرا عن طريق فرض تبوّؤ النائب ميشال عون لهذا المنصب.
فجولة الحريري على كل المرجعيات السياسية، باستثناء «حزب الله»، وكما على دول مؤثرة في احداث المنطقة مثل روسيا والسعودية «اعادت الاستحقاق الرئاسي الى دائرة الضوء وحركت المياه الراكدة« وفق مراقب لبناني مخضرم. وهو يرى، ان الحريري «يبذل كل جهده لكن يدا واحدة لا تصفق»، لافتا الى انه على الاقل اسقط كليا تهمة التعطيل التي حاول «حزب الله» إلصاقها به زوراً. وهي التهمة التي كان عون كذلك يلقيها على عاتقه قبل تحركاته الاخيرة المطبوعة بـ«غموض بناء»، لأنها لم تصل درجة تبني ترشيح عون علنا او التخلي، كذلك علنا، عن ترشيح سليمان فرنجية.
فمن موسكو بالذات التي تشارك «حزب الله» في تقديم الدعم العسكري لبشار الاسد، دلّ الحريري باصبعه على المسبب الاساسي للفراغ الرئاسي بقوله «حزب الله معطل رئيسي للانتخابات»، فيما اشاد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بالجهود التي يبذلها الحريري في هذا الاطار من دون ان يزكي علنا اسماً محدداً.
ويذكر المصدر ان عدم وقوف «حزب الله» الى جانب فرنجية حال دون وصوله الى رئاسة كانت اصواتها شبه مضمونة، ويقول «الآن اشتراط رئيس البرلمان نبيه برّي السلة اجبر عون على رفضها بما يعني سحب البساط من تحت قدميه». فالتشنج الذي اثاره تمسك برّي بـ«السلة» التي يرى ان مضمونها يستنسخ حصراً بنود طاولة الحوار الوطني، قضى عمليا على احتمال وصول عون الى قصر بعبدا. فهذه «السلة« التي خرجت الى العلن مؤخرا ورفضتها بكركي كما القوى المسيحية على اختلاف تلاوينها، باستثناء فرنجية الذي لم يحدد موقفا، وحتى ان تيار «المستقبل» لم يحبّذها، وضعت «حاجزا في طريق عون سيصعب تجاوزه»، خصوصاً ان بري لا يرى انتخاباً «غدا او قريبا» وتأكيده ان أياً من بنودها لا ينال من صلاحيات رئيس الجمهورية، فالانتخاب مثلا او قانون الانتخابات هما اصلا بيد البرلمان فيما تسمية رئيس الوزراء بيد الاستشارات النيابية الملزمة.
كما أن صمت «حزب الله» عن «السلة« المرفوضة مسيحيا بالدرجة الاولى يعني انه «يواصل عدم المواءمة بين اقواله وافعاله». فكما انه دأب على تكرار تمسكه اللفظي بعون مرشحا وحيدا طوال اشهر، لم يقم بخطوة عملية واحدة لحشد الاصوات اللازمة لفوزه، والتي تعود لحلفائه، باستثناء الوقوف الى جانبه في تعطيل جلسات الانتخاب، التي سيصل عددها في المرة المقبلة آخر الشهر الجاري الى 46 جلسة. لكن «حزب الله» الذي اراد اعطاء عون دليلا اضافيا على بذله الجهود لإيصاله لوّح بقبوله ترؤس سعد الحريري الحكومة، «يتمسك كذلك بسلة بري من اجل الضمانات» وفق المصدر نفسه.
كما يصب الموقف الايراني المستجد في خانة التعطيل التي يستجرها «حزب الله» خدمة لمصالح طهران «التي تفضل الاحتفاظ بهذه الورقة لطرحها على المقايضة مع الادارة الاميركية الجديدة». ففيما الموقف السعودي ما زال عنوانه المكشوف ترك الامر للبنانيين، فإن ايران التي طالما دأبت على القول ان الامر متروك لتقدير «حزب الله» ادلت للمرة الاولى بدلوها علنا عندما اكد مساعد رئيس مجلس الشورى الايراني حسين امير عبد اللهيان ان بلاده تفضل وصول عون باعتباره «حليفا وداعما للمقاومة».
ويتساءل المصدر عن مآل الاستحقاق الرئاسي رغم كل جهود الحريري خصوصا مع تفاقم التصعيد بين الرياض وطهران التي اعتبرت بلسان حرسها الثوري ان المناورات السعودية في الخليج دليل على « السعي لتوتير الاجواء وزعزعة الاستقرار«، وكذلك مع تجميد الولايات المتحدة التعاون مع روسيا في الشأن السوري.