IMLebanon

ترشيح الحريري لعون: ربط نزاع إيجابي بانتظار الأجوبة الإقليمية والدولية

«المستقبل» لـ «8 آذار»: قمنا بما علينا والكرة في ملعبكم… و«حزب الله» يَعي أنّ أوان الرئاسة لم يَحن بعد

ترشيح الحريري لعون: ربط نزاع إيجابي بانتظار الأجوبة الإقليمية والدولية

بري يُجاهر بمعارضته لضمان تكريس «الثنائية الشيعية» الثلث المعطّل وحقيبة المال

ثمّة معطى محوري بدا غائباً أو مُغيباً في المشهد اللبناني، حين حرّك زعيم «تيّار المستقبل» سعد الحريري المياه الراكدة في الملف الرئاسي، مع إبلاغه الكثير من القوى السياسية أن خيار تبني ترشيح العماد ميشال عون وارد لديه على خلفية الحاجة إلى إنهاء الشغور الرئاسي وإخراج البلاد من المأزق السياسي الذي تعيشه. هذا المعطى يتمثل بالدور الإقليمي والدولي في انتخابات رئيس الجمهورية، وهو دور رافق كل استحقاق رئاسي منذ نشأة لبنان الحديث، حيث أن مصطلح «لبننة الاستحقاق» لا يعدو كونه رغبة غير قابلة للتحقق، حتى أن إدراج انتخاب الرئيس سليمان فرنجية عام 1970، بفارق صوت واحد مقابل منافسه الياس سركيس في إطار لعبة ديموقراطية لبنانية – لبنانية حصلت من دون تأثيرات خارجية، مسألة لا تزال خاضعة للجدل!

فمع تحرّك الحريري، استنفرت القوى السياسية، على ضفتيّ 8 و14 آذار، منها الداعم ومنها المُعترض على نيّة زعيم «المستقبل»، فانتعشت الآمال لدى «التيار العوني» أن زعيمه بات قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلم عمره بأن يحمل لقب «فخامة الرئيس»، فيما ذهب رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أحد أقطاب «الثنائية الشيعية»، بعيداً في مجاهرته العلنية بأن فك أسر الرئاسة مرهون بالاتفاق على «السلّة» قبل الرئيس، بما تُشكّله من «تفاهمات» حول كيفية إدارة الحكم في ظل سعي «الثنائية الشيعية» إلى تكريس «الثلث المعطل» عرفاً خارج الأطر الدستورية في الحكومة لمصلحة حلفها السياسي، وهو «تكريس الضرورة»، إذا ما أفرزت الانتخابات النيابية موازين قوى ليست لصالحها وحوّلتها أقلية كما حصل في انتخابات 2009، وذلك لضمان إمساكها بالملفات الخارجة عن البنود الأربعة عشر التي نص عليها الدستور، والتي تحتاج إلى ثلثي مجلس الوزراء، في وقت يبدو أن قرار «الثنائية الشيعية» حاسم تجاه الإبقاء على حقيبة المالية من حصة الطائفة، تحصيناً لموقعها في السلطة التنفيذية من باب حاجة القرارات الوزارية والمراسيم التي ترتب أعباء على الخزينة إلى توقيع وزير المالية.

تَحوَّل الاستحقاق، ظاهرياً، إلى مسألة داخلية محضة، فاستدعى موقف برّي رداً رافضاً من بكركي ونداءً للمطارنة لإعادة تكريس ثوابت التقيّد بالدستور في انتخاب رئيس الجمهورية من دون وضع شروط مسبقة عليه كي يكون الرئيس الحَكَم، والتقيّد بالميثاق الوطني وإحياء المصالحة الوطنية لطيّ صفحة الماضي وإعادة الاعتبار إلى التسوية التاريخية التي جسّدها «اتفاق الطائف»، وانعكست حركة الحريري تجاه عون مناخات إيجابية وبوادر حسن نيّة حيال الشريك السنّي الذي كان بالأمس القريب يُلقى على عاتقه عبء تعطيل الرئاسة ووصول المرشح الأقوى والأكثر تمثيلاً مسيحياً.

كل ذلك وسط صمت «حزب الله» الذي ارتأى أن يبقى متفرجاً على «المشهدية الرئاسية» الجارية في المكان الخطأ والزمان الخطأ، وإن كان يتحسّب، وفق عارفيه، لأي مستجدات قد تطرأ لإحراجه، ما قد يدفعه عندها إلى السير بعون، وتثمير ذلك لمصلحته في إطار تأكيد صوابية خياره منذ اليوم الأوّل للاستحقاق وثباته على الخيار.

فـ «حزب الله» يَعي أن أوان الرئاسة لم يحن بعد، لأن هذا الملف مرتبط ارتباطاً مباشراً بالنتائج التي ستترتب عن الجبهات المشتعلة في المنطقة في إطار المواجهة المستعرة بين المملكة العربية السعودية وإيران على خلفية تكريس طهران لنفوذها في الإقليم، مستفيدة من التسوية الغربية حول الملف النووي الإيراني والاستدارة الأميركية عن حلفائها التقليديين في المنطقة.

على أن المناخات السائدة راهناً تؤشّر إلى أن مرحلة من المراوحة الإيجابية ستحكم الأيام المقبلة المرشحة لمزيد من التفاعل مع طرح الحريري، بما يؤول إلى اتساع رقعة الوضوح في اصطفافات الأطراف السياسية حيال خيار عون، وإن كانت الأجواء السائدة في أوساط قوى الثامن من آذار تشي بأن «ربط النزاع الإيجابي»، حسب تعبيرها، الذي يحيط علاقة «الرابية» بـ «بيت الوسط» بعد مصارحة الحريري مَن التقاهم بجدّية توجهه لتبني عون غير كافية، ذلك أن النوايا الشخصية التي قد ترقى إلى «مبادرة» غير كافية لإنجاز الاستحقاق، وأن المطلوب أن يتم تبني الحريري رسمياً ترشيح عون لأن من شأن هكذا إعلان أن يعكس موافقة إقليمية ودولية للقوى الحليفة لزعيم «المستقبل» والمؤثرة في الاستحقاق الرئاسي، وهي قوى تبدأ بالسعودية وتمر بفرنسا لتصل إلى الولايات المتحدة الأميركية.

تلك الأجواء لا يُعيرها «المستقبل» كبير اهتمام، ذلك أن زعيمه أقدَمَ على خطوة كبيرة تتطلب من القوى الداخلية الأخرى ملاقاته فيها، ولا سيما أن «حزب الله»، الداعم الرئيسي للجنرال، عطّل الرئاسة تحت شعار «إما عون أو الفراغ»، مثبتاً مقولة «مَن يريد رئيساً يعرف العنوان». وفي رأي «التيار الأزرق» أن الحريري لم يكتفِ بإبداء نيته فحسب، بل إدراكاً منه لأهمية المعطى الإقليمي والدولي المؤثر في الاستحقاقات اللبنانية، وفي مقدمها انتخابات الرئاسة، يتحرّك عربياً ودولياً، حيث بعد زيارته موسكو، ستكون له محطات في المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وفرنسا من

أجل سبر أغوار ما يمكن أن تُسهم فيه تلك الدول من خلال الضغط على إيران انطلاقاً من الاقتناع السائد بأن الرئاسة هي ورقة إيرانية، أضحت مرتبطة بتقدّم مسار الحرب السورية والحروب الدائرة في المنطقة!