مرّت العلاقة بين رئيس الحكومة سعد الحريري وحزب الله، بمراحل اتّسمت تارة بالعداوة وتارة أخرى بربط نزاع. مصادر مطلعة على خط هذه العلاقة تؤكّد أنها «أفضل من أي وقت مضى»، كاشفة أن «الاتصالات بين الحريري والمعاون السياسي للسيد حسن نصرالله الحاج حسين الخليل لا تتوقف، وهي تناقش في كل الملفات الكبيرة والصغيرة»
للمرّة الثانية يُعلن الرئيس سعد الحريري من أمام المحكمة الدولية في لاهاي موقِفاً «مُهادناً» تجاه حزب الله. فيما كان فريق الادّعاء يسرُد مزاعمه بتورّط عناصر من الحزب في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أتى ردّ «وريث» الدمّ أكثر واقعية من الجميع. وضعَ مشاعره جانباً كما قال، وأكد أنه «لا يسعى للثأر».
يعلَم رئيس الحكومة المكلّف أن عيوناً إقليمية ودولية كثيرة كانت شاخصة إليه. نظرة لم تمنَعه من الإعلان صراحة بأن البلد أهم من أي شيء آخر. أراد الإيحاء بأنه يولي «الأمن والاستقرار» أهمية كبيرة، غيرَ أن الحفاظ على موقِع رئاسة الحكومة يبقى أولوية الأولويات عنده في هذه المرحلة. وهو يعلَم أن هذا الهدف لا يُمكن أن يتحقّق أو يكون من دون علاقة مُستقرة مع الحزب.
منذ إبرام التسوية الرئاسية سعى الحريري مِراراً إلى إطلاق رسائل تجاه الضاحية. واحدة سلبية يُقابلها ثلاث تحمِل الإيجاب. اعتبر في مرة منها أن «مشاركة حزب الله في الحكومة توفّر استقراراً سياسياً للبنان»، رافضاً أي أفكار خاصة المواجهة معه (مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية).
ومنذ تكليفه تشكيل الحكومة للمرّة الثانية بعد انتخاب العماد ميشال عون للرئاسة، اتسمَت العلاقة بين الحريري وحزب الله بـ «ربط نزاع» حيناً والتناغم حيناً آخر. لدرجة أن مسار التشكيل شهد منازعات سياسية مع مختلف الأطراف باستثناء الحزب. وهي حالة دفعت بمستقبليين للتعليق عليها أكثر من مرة بقول ساخر: «الحريري والحزب هما الطرفان الأكثر اتفاقاً هذه الأيام». ما يهمس به العالمون بأجواء وادي أبو جميل – على قلّتهم – يطرح منذ فترة تساؤلات جدية حول شكل العلاقة الراهنة. وهي أسئلة تجيب عليها مصادر رفيعة المستوى في فريق 8 آذار بالتأكيد أن «لا قطيعة بين الحريري وحزب الله».
حزب الله وعون ليسا في وارد سحب التكليف من الحريري
هذه الإجابة لا تعني أبداً النقاش الدائم في ما يتعلّق بتشكيل الحكومة والحصص والحقائب والصيغ الوزارية وحسب. فالمصادر قصدت باللاقطيعة القول أن «الحريري ينسّق ويناقش كل الملفات الكبيرة والصغيرة مع القيادات العليا في حزب الله»، كاشفة عن أن «الاتصالات بينه وبين المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الحاج حسين الخليل لا تتوقف». وفي ظل ما تردّد عن لقاءات يعقدها كوادر من الصف الثاني في التيار والحزب، نفت المصادر هذا الأمر مشيرة إلى أن «العلاقة محصورة بين الحزب والحريري كرئيس للحكومة، من دون أن يُترجم ذلك إعادة لفتح قنوات الحوار بينهما على المستوى الحزبي». إلا أن ذلك «لا يمنع من إحياء الحوار الثنائي الذي كان قائماً بينهما برعاية رئيس مجلس النواب نبيه برّي».
بناءً على ما تقدّم يُفتح باب التساؤل على مصراعيه. هل ما يفعله سعد الحريري يعني خروجه من العباءة السعودية التي طالما «تلحّف بها»؟ رئيس الحكومة وفق تفسيرات المصادر ذاتها «أعجز من أن يقاطع المملكة العربية السعودية أو أن يعلن انسحاباً مطلقاً من الرياض». وفي الوقت عينه «يعلم بأن بقاءه في المشهد السياسي يفرض عليه التعامل مع الحزب بالشكل الذي هو عليه الآن»، وذلك لاعتبارات عدّة:
أولاً، يريد الحريري البقاء في منصبه الحكومي أطول وقت مُمكن، مستفيداً من التسوية المبرمة مع الرئيس عون.
ثانياً، يعلَم رئيس الحكومة بأن بقاءه في الرئاسة الثالثة مستحيل من دون تفاهم مع حزب الله، والاكتفاء بتحييد الملفات الخلافية جانباً.
ثالثاً، لا يُمكن الحريري أن يأخذ خياراً آخر، وهو الذي يراقب جيداً التغيرات في المنطقة، والتي تصّب في مصلحة محور المقاومة من سوريا إلى العراق ثم اليمن. وبالتالي ليس من مصلحته أن يدخل في اشتباك مع محور إقليمي ضد آخر.
رابعاً والأهم من وجهة نظر المصادر أنه «وعلى رغم أن السعودية تبقى ضرورة استراتيجية بالنسبة إليه، غير أن تجربة الحريري الفاشلة في خوض معركة ضد حزب الله في الداخل تثنيه عن تكرارها، لذا يتبع سياسة تهدوية بات مقتنعاً بأنها تصُبّ في مصلحته.
هل يلاقي حزب الله رئيس الحكومة في منتصف الطريق؟ وأين يقف اليوم في الاشتباك المشتعل بينه وبين رئيس الجمهورية وفريقه، خصوصاً في ظل ما يُحكى عن إمكان سحب التكليف منه؟ تجزم المصادر بأن «الرئيس عون ليس في هذا الوارد، ولا حزب الله أيضاً»، مؤكدّة أن «رئيس الجمهورية لم يفتح هذا الموضوع ولم يناقشه مع الحزب على الإطلاق».
تجربة الحريري الفاشلة في خوض معركة ضد حزب الله في الداخل تثنيه عن تكرارها
من جهة أخرى، بات من المؤكّد أن الحريري الذي تجاهل المحكمة الدولية طيلة أعوام مضَت، لم يذهب إلى جلسات المرافعة الختامية لفريق الادعاء متحدياً أحداً، ولا موجّهاً رسالة إلى أي فريق لبناني آخر، وتحديداً حزب الله. هو بالدرجة الأولى يجِد نفسه «مُضطراً إلى القيام بذلك لأسباب لها علاقة بجمهوره أولاً». حضور رئيس الحكومة الجلسات «هو من البديهيات السياسية». بهذه الجملة يختصر أصحاب الرأي العملاني في تيار المُستقبل سفره. داخل الأخير ثمّة رأي يرتفع ويقول أن «من الأهداف الأساسية التي يركّز عليها رئيس الحكومة هذه الأيام عدم السماح لأي طرف داخل طائفته بالمزايدة عليه»، خصوصاً بعد أن «دفعت سياسة الوزير جبران باسيل والرئيس عون كل المعارضين للحريري في الطائفة السنية للعودة إليه والالتفاف حوله. حتى الوزير السابق أشرف ريفي أيّد الحريري». ومن جهة أخرى هي «رسالة إلى حلفائه في الداخل والخارج بأنه باقٍ في موقعه على رغم ربط النزاع مع الحزب». ما يقوم به هو «أمرٌ طبيعي يتفهّمه حزب الله جيداً» من وجهة نظر تيار المُستقبل. وهذه النظرة يبررها كثر بأن «الحريري لن يحوّل ما سيصدر عن المحكمة إلى أزمة تؤدي إلى انفراط التسوية أو الاتفاق السياسي مع حزب الله».