لا بدَّ من تطبيق كل بنود الطائف لإنشاء الدولة المدنية
سيجري كلام كثير في البلد بعد إعلان الرئيس سعد الحريري موقفه بتعليق عمله السياسي والنيابي، وعدم الترشح للإنتخابات لا هو ولا اي من شخصيات تيار المستقبل ولا بإسم التيار، ما ينعكس على الوضع الانتخابي العام وتشكيل اللوائح والتحالفات مع القوى السياسية.
لا شك ان وجود الحريري في الحياة العامة يعطيها نكهة مختلفة، مهما كانت الملاحظات حول أدائه، سواء في الحكومة او خارجها، فهوحامل ارث الحريرية بكل معانيها ومضامينها، حتى انه بات احد ابرز الوجوه المحلية والعربية منذ ان دخل الحياة السياسية بعد استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري.
لا شك ان موقفه سيترك إنعكاسات كبيرة على الحياة السياسية، لعل اهمها ان عزوفه سيترك فراغاً في الساحة السياسية والوطنية من زعيم يستقطب جمهوراً واسعاً عابراً للمناطق والطوائف، وفراغاً في الساحة السنية من زعيم له حضوره الواسع في كل المناطق، ولو ان الساحة السنية ليست هزيلة او خاوية لدرجة غياب المرجعيات السياسية للطائفة ولو على صعيد مناطقي، فهناك زعامات لها حضورها ايضا سواء في بيروت او الشمال او البقاع الغربي او صيدا.
لكن بيروت لها وضعها الخاص، فهي التي انبتت الحريرية بكل معانيها السياسية والاقتصادية والخدماتية والانمائية، وهي التي ستفتقد بغياب «الشيخ سعد» عن الندوة النيابية رمزاً كبيراً ولو بقي في الحياة العامة من بعيد. ولكن بيروت ولّادة…فكما انبتت قبلاً زعماء كباراً تركوا بصمتهم في العمل الحكومي والسياسي، مثل رياض وتقي الدين ورشيد الصلح وصائب وتمام سلام وسليم الحص وسواهم، هي قادرة على إنبات قيادات تقودها الى الخير وتعيد حضورها وتألقها.
مع عزوف الحريري عن خوض الانتخابات، لن تخلو الساحة من ممثلي الطائفة السنية الوازنين، او من تحالفات اقطاب من الطائفة مع قوى سياسية اخرى، بمعنى ان الحضور السني الوازن سيبقى في المجلس النيابي وربما في اي حكومة جديدة شرط حسن اختيار الناخبين لممثليهم.لكن في كل الاحوال، قرار الحريري لن يؤدي الغرض السياسي منه، فالبلد ذاهب الى مكان آخر لن ينتشله منه إلّا إصلاح النظام السياسي المتهاوي، وتغيير الاداء والذهنية في إدارة البلد إن لم يكن تغيير الاشخاص ممكناً. وقداعترف هو بفشل التجربة في العمل الحكومي وفي البرلمان في ظل هكذا إدارة سياسية للبلد وفي ظل التسويات التي افادت اصحابها ولم يستفِدْ منها البلد واهله. والأهم العودة الى تطبيق كامل بنود اتفاق ودستور الطائف بعد الانحرافات التي ادت إلى تكريس الطائفية والمذهبية والمحسوبيات والفساد والهدر والمحاصصات وتقاسم الوظائف العامة، وإجمالاً تعيين غير غير الكفوئين بل من الفاسدين والمفسدين والمحازبين والمحسوبين، والكل شارك في هذه الموبقات الوطنية.
والأهم ايضاً لا بد من البدء بمسار تغيير النظام الطائفي الى النظام المدني، وتطبيق بنود انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وإنشاء مجلس الشيوخ، واللامركزية الادراية الموسعة، وإصلاح القضاء وتطبيق قانون استقلاليته جدياً وليس صورياً.
حتى لو قرر الحريري البقاء في الحياة السياسية والعامة اليومية من بعيد، حيث استخدم عبارة « تعليق» وليس إنكفاءً نهائياً عن العمل السياسي والوطني، وبقي الاداء على ما هو عليه من تعطيل وفشل وكيديات وخلافات وهدر وسمسرات ومحاصصات وفساد، وكلها تؤدي الى ازمات حكم واقتصاد ومالية عامة ومعيشية، فالأفضل للحريري ولغيره ممن يعيدون النظر بتجاربهم في الحكم والبرلمان، ان يبتعدوا عن هذا الجو نهائياً، وليتحمل الجاثمون على كراسيهم في ظل هذا الوضع غير الصحي، مسؤولية الانفجار الكبير والكوارث الأعظم الآتية، خاصة اذا بقي المجتمع الدولي والاشقاء العرب والاصدقاء الغربيون على موقفهم من عدم دعم مؤسسات الدولة واقتصادها وماليتها العامة، وتركوا الساحة لمجموعات المجتمع المدني التي لا تجربة لديها في ادارة الشأن العام، او التي أظهرت السنتان الماضيتان ان بعضها او معظمها ليست افضل بكثير ممن حكموا البلد.