IMLebanon

إستقالة الحريري والتريّث بها وإشكالية التدخّلات الإيرانية

 

انشغلت الساحة اللبنانية والعربية وحتى الدولية، باستقالة رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري منذ 3 أسابيع والتريّث بها منذ أيام، والتي شكّلت صدمةً محلّيةً وإقليميةً خصوصاً لدى الفريق الموالي للنفوذ الإيراني في المنطقة، والذي ذرف دموعَ التماسيح الواهية، وأتحف الرأيَ العام اللبناني والعربي بغيرته غير المعهودة على الرئيس سعد الحريري وسلامته، منظّراً بمعلّقاتٍ وندواتٍ عن السيادة والحرّية والكرامة الوطنية، ومتذرِّعاً بأوهام المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

وخلال إقامة الرئيس الحريري في الرياض في دارته لأيام عدة، وبين أهله وإخوانه، خاض الموالون للنفوذ الصفوي الإيراني في لبنان معركةً سياسية وإعلامية شرسة على شكل الاستقالة، ومكانها وأسلوب صياغتها، وحتى على الأوتار الصوتية للحريري وعلى فواصل إعلانها، وتجاهلوا جميعاً بقصدٍ متعمّد مضمون الاستقالة (الصدمة)، والأسباب الموجبة لها، خصوصاً وجود دويلة داخل الدولة، والإشارة الى أنّ «حزب الله» يضع يده على كل مفاصل الدولة متخطّياً الحكومة وقوانينها والتزاماتها العربية والدولية، وأضحى يمثّل ذراعاً إيرانيّة في لبنان وفي بعض البلدان العربية، وفرضَ أمراً واقعاً على لبنان بقوة سلاحه الإيراني الذي يزعم أنّه سلاح مقاومة.

وأشارت الاستقالة الى أنّ رأس النظام الإيراني قال: إنّ إيران تسيطر على مصير دول المنطقة، وإنه لا يمكن في العراق وسوريا ولبنان واليمن وشمال أفريقيا والخليج العربي القيام بأيّ خطوة مصيرية من دون إيران.

فالمشكلة الحقيقية إذن، ليست في شكل الاستقالة او التريّث بها، وإنما هي في إشكالية تمدّد التدخّل الصفوي الإيراني في المنطقة العربية، خصوصاً في لبنان، من خلال سلاح «حزب الله» ومتفرعاته وميليشياته العابرة للحدود، وتمزيق النسيج الوطني في كل بلد عربي وصلت إليه شعاراتُ الخمينية السياسية، ومشاريعُها الفارسية في دول بلاد الشام، وداخل دول مجلس التعاون الخليجي.

غير أنّ بعض العرب وبعض التيارات العربية ممّن يرفع شعارات قومية أو إسلامية ما زال يعيش على أوهام مقاتلة إيران للكيان الصهيوني في فلسطين وتحريرها، والذي لا يمكن أن يحدث حاضراً أو مستقبلاً، ويغضّ هؤلاء الطرْفَ عن ميليشيات إيران العسكرية المنتشرة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وخلاياها النائمة والمُستترة في الكويت، والبحرين، وحتى في بعض دول المغرب العربي.

من أجل ذلك كله، كانت استقالةُ الحريري والتريّث بها بعد ذلك موقفاً تاريخياً وطنياً وعربياً صلباً للمصلحة الوطنية اللبنانية والتي اشار اليها الحريري في كل لقاءاته ومواقفه وهو خارج لبنان وبعد عودته الى وطنه، للوصول الى هدف ضرورة النأي بالنفس عن المحاور الاقليمية والفصل بين الدويلة المذهبية والدولة الوطنية، وعبثاً محاولات تصديق شعارات تحرير فلسطين ونُصرة المستضعفين ومحاربة أميركا وهيمنتها.

فقيادةٌ الحريري وحكومته الوطنية لا يمكن أن يقبلا بأن يتحوّل لبنان الى خنجرٍ في ظهر الأشقاء العرب، خصوصاً المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، ولا يمكن أن تكون الأرض اللبنانية غرفة عمليات لـ«حزب الله» ليسدّد سهامَه بأوامر إيرانية الى أكثر من بلد عربي.

أمَا وأنَّ الحريري بعد استقالته انتقل من الرياض الى باريس، ومن باريس الى القاهرة، ومن القاهرة الى بيروت مروراً بقبرص، لتنقشع خلالها غيوم وترّهات وشكل ومكان الاستقالة، فلتتداعَ القوى السياسية الوطنية الحريصة على استقلال لبنان وسيادته وعروبته، لمعالجة دوافع الاستقالة ومضمونها وموجبات التريّث بها وحسم خيار النأي بالنفس الذي أشار اليه بيان التريّث، لكي لا ينزلق لبنان نحو المحور الإيراني ومشروعه، والذي سيؤدّي حتماً الى خروج لبنان عن بيئته العربية، واختفاء دوره كساحة حوارٍ وتلاقٍ بين أتباع الديانات والثقافات والحضارات، كما يريده أبناؤه ويطمح إليه الحريري والمخلصون من قادته.

وقد عبّر بيانُ مؤتمر وزراء خارجية العرب الذي انعقد أخيراً في القاهرة بدعوة من المملكة العربية السعودية، وحمل مضمونه الأمين العام للجامعة العربية الى الرئيس ميشال عون عن سلبيات خروج لبنان من المظلّة العربية، وخطورة تدخّلات إيران و«حزب الله» في الشأن الداخلي لعدد من البلدان العربية.

والأيام المقبلة ستوضّح حقيقة مَن يريد لبنان سيّداً حرّاً مستقلّاً، ومَن يريده جزءاً لا يتجزّأ من مشروع الخمينية السياسية الوافدة الى المنطقة العربية لتمزيقها ونشر الفتن بين مكوّناتها.

ولا يمكن لأيِّ عاقلٍ أو متابعٍ أو منصفٍ أن يساوي بين المملكة العربية السعودية الشقيقة الداعمة للبنان، ولكلّ قضايا العرب، وبين إيران الدولة الصفوية المغتصبة لأراضٍ عربية تفوق مساحتها أرضَ فلسطين بمرات عدّة، وهي ترفع شعارَ محاربة الشيطان الأكبر والأصغر وتحرير فلسطين وما حولها من أيّ وجود عربي أو إسلامي، إن لم يكن جزءاً من مشروعها الصفوي الفارسي.

وما حدث ويحدث في بعض البلدان العربية من تغييرات ديموغرافية وتهجير وقتل لفئة معيّنة من السكان من خلال حرسها الثوري وميليشياته، شاهدٌ بيّنٌ على آثار التدخل الإيراني في المنطقة العربية.