الجميع في لبنان على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وتجمّعاتهم السياسية يشعرون بخطورة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، ويعلمون ضمناً ان لبنان ما بعد الاستقالة هو غيره ما قبل الاستقالة، وأن معالجة هذا الأمر، لم تعد من نوعية التسويات الترقيعية التي كانت تحصل مع كل ازمة.
ان مسارعة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الى استنهاض القيادات السياسية والاقتصادية والمالية والحزبية، وكل صاحب رأي، تعكس مدى قلقه من نتائج هذه الاستقالة، المعلّلة بأسباب عديدة، كان يتم تداولها تحت سقف التسوية السياسية التي انتجت هذا العهد، والتي اعتقد الكثيرون انها أصلب من ان تنهار، وظهّرتها استقالة الحريري على انها مبنية على رمل وهي اوهى من خيوط العنكبوت، واذا كان الرئيس عون قد نجح في منع سقوط لبنان بالضربة القاضية السريعة، الاّ ان الطريق الى القول بأن لبنان قد نجا، وان الأمور ستعود الى نصابها بعد عودة الحريري الى لبنان – هذا إن عاد – سيكون نوعاً من التفاؤل الوهمي لأن الانقسام الذي حصل في لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005، عاد بقوّة الى الساحة اللبنانية، وجميع المواقف التي اعقبت الاستقالة تؤكد عمق الانقسام العمودي بين اللبنانيين، بحيث ان اي دعسة ناقصة في مقاربة الاستقالة ستدخل لبنان في آتون الحروب التي تحرق العديد من الدول العربية.
الجميع اليوم يدرك بأن تشكيل الحكومات لم يعد على شاكلة ما كان يحصل سابقاً، واذا حصل فتداعياته ستكون خطيرة، لأن الملعب في لبنان لم يعد حكراً على اللبنانيين، واذا كان التدخل سابقاً كان يتم مقنّعاً، فهو الآن سافر وتحت ضوء الشمس، ان كان من دول وقوى الممانعة او من الدول التي تتربّص بهذه الدول والقوى وتطاردها بجميع الاسلحة المتاحة، ولذلك فان اعادة تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، او عدم قبول استقالته، يخضعان الى مقاييس وموازين جديدة، لم يعد ممكناً تجاهلها، لأن التجاهل في هذه الظروف سيكون الشرارة التي تشعل الوقود الجاهز للاشتعال، وبالتالي على رئيس الجمهورية ومعاونيه وجميع القيادات ان يستنبطوا حلولاً، تعطي كل مكوّن في هذا الوطن، حصة في العيش بحرّية وسلام وكرامة، دون ان يستقوي فريق على آخر تحت سماء واحدة، وفي ظل دستور واحد وقوانين واحدة، بعيداً من اي رضوخ لاملاءات الخارج واهدافه ومصالحه، وفي دولة يحكمها رئيس واحد، وحكومة واحدة، وقضاء واحد، وجيش واحد.
* * * * *
اذا وضع الجميع نصب اعينهم مصلحة لبنان اولاً واخيراً، وليس مصلحة السعودية او ايران او سوريا او الولايات المتحدة الأميركية او روسيا، فان جميع مشاكلنا تحلّ سريعاً، امّا بخلاف ذلك فعبثاً يبني البنّاؤون، لأن العواصف قوية والبناء على رمل.
لا تغرقوا في التفاصيل الجانبية والهامشية لاستقالة الحريري، فتشوا عن المضمون وعالجوه قبل خراب البصرة.