استقالة الحريري جرس إنذار لخطورة الأزمة لا يمكن تجاهله
عون و«حزب الله» أمام تحدي الاستجابة لشروط «الصدمة الايجابية»
بإعلانه الاستعداد للعودة عن استقالته، إذا أعاد «حزب الله» الالتزام بسياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان، فتح رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري الباب أمام عودته لترؤس حكومة جديدة، تأخذ على عاتقها الاستمرار في حماية التسوية القائمة وتحصينها، إذا ما كان «حزب الله» مستعداً لملاقاته في منتصف الطريق، من أجل إخراج لبنان من أزمته وبما يمكّنه من حماية استقراره والاستمرار في تفعيل التسوية التي أعادت الاعتبار إلى مؤسساته الدستورية بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، شرط أن يستجيب «حزب الله» وحلفاؤه لدعوة الحريري من أجل النأي بلبنان عن المخاطر التي تتهدده في حال استمر فريق من اللبنانيين بالعمل ضد مصالح البلد، من خلال مواصلة الحملات العدائية ضد المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، في سابقة لم تشهدها العلاقات اللبنانية الخليجية من قبل، على نحوٍ سيعرّض مصالح اللبنانيين في هذه الدول إلى مخاطر كبيرة، في حال لم يلتزم هذا الفريق بأواصر الأخوّة والصداقة مع أشقائه العرب والخليجيين ويكف عن التدخل في شؤون هذه الدول، وتالياً يعود إلى لبنانيته التي يجب أن تتقدّم أي اعتبارات أخرى لا تصب مطلقاً في المصلحة اللبنانية.
وإذا كان رئيس «تيار المستقبل» مستعداً لأن يعود إلى رئاسة الحكومة، حفاظاً على التسوية التي كان أحد شركائها الأساسيين، فإنه هذه المرة لن يقبل بأن يستمر «حزب الله» على سياسته في ضرب مبدأ الحياد والنأي بالنفس عرض الحائط، وإنما سيعمل على أن يكون الجميع ملتزمين بالبيان الوزاري لحكومة العهد الأولى نصاً وروحاً، وهذا ما سيفرض على «حزب الله» أن يعيد حساباته ويضع مصلحة لبنان أولويةً تتقدّم على مصالح الدول الأخرى، وبما يضمن عودته إلى لبنان من الدول التي يقاتل فيها، وتالياً وقف الحملات التي تستهدف السعودية وشقيقاتها في دول مجلس التعاون، باعتبار أن لهذه الممارسات التي لا تزال مستمرة من جانب الحزب وحلفاء المحور السوري الإيراني في لبنان، مخاطر كبيرة لا يمكن الاستهانة بتداعياتها على مصالح اللبنانيين في الوطن الأم وفي الدول التي يعملون فيها، وهذا الأمر يوليه الرئيس الحريري أهميةً قصوى، لأنه يدرك أكثر من غيره، أن الرياض والعواصم الخليجية لن تقبل بأن يستمر لبنان منصةً لمهاجمتها وشن الحملات عليها بأي شكلٍ من الأشكال.
وتعرب أوساط نيابية بارزة في «تيار المستقبل»، لـ«اللواء»، عن اعتقادها، أن المواقف الحاسمة التي أطلقها الرئيس الحريري في إطلالته التلفزيونية، وضعت الكرة في ملعب رئيس الجمهورية وقوى «8 آذار»، لإعادة قراءة حساباتها من موضوع النأي بالنفس وتحييد لبنان عن الصراعات الخارجية، وهذا ما يفرض على الرئيس عون أن يبادر إلى الأخذ بعين الاعتبار لكل ما قدمه الرئيس الحريري من أسباب دفعته إلى الاستقالة، وأن يعمل على معالجتها وبما يضمن تغيير «حزب الله» لسياسته في المنطقة، من أجل مصالح اللبنانيين وكي لا تستمر سياسة التحامل التي يمارسها الحزب ضد الدول الخليجية، خدمةً لإيران في صراعها مع المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي يعرّض لبنان لشتى المخاطر التي لا يمكن تطويق تداعياتها.
وعلى هذا الأساس، تعوِّل الأوساط على ما ذُكر عن توجه لدى رئيس الجمهورية للدعوة إلى الحوار بين الأطراف السياسية، بهدف إيجاد حلول لبعض الأزمات التي تتهدد لبنان وفي مقدمها تورط «حزب الله» في الصراعات المسلحة في المنطقة وما تجرّه على لبنان من انعكاسات بالغة السلبية، باعتبار أن التسوية الحالية قامت في أبرز بنودها على تحييد لبنان والنأي به عما يجري في محيطه، بحيث ثبت خلال السنة المنصرمة، أن «حزب الله» الذي وافق على هذه التسوية، لم يلتزم بها واستمر في سياسته الخارجية، ما جعل الأمور تصل إلى ما وصلت إليه، بعد أن طفح كيل الدول الخليجية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، فكانت استقالة الرئيس الحريري التي يجب أن تكون جرس إنذار للقيادات اللبنانية لأخذ العبرة منها والتزام سياسة واضحة تجاه الأشقاء والأصدقاء.