يتحدّث البعض عن مخطّط شيطاني للمنطقة وعن الإنتقال الى المرحلة الثانية منه خلال الأسابيع المقبلة، ستلي عملية «التطهير» التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان في السعودية والتي هي مقدّمة، كما قيل، لسيناريوهات حرب إقليمية قد تكون الأخطر في تاريخ المنطقة. وما يهمّ في هذا المخطط ما ورد عن لبنان بأنّه سيتمّ قصفه وتدمير البنى التحتية فيه تحت ذريعة محاولة إجتثاث «حزب الله»، وقد يردّ الحزب بقصف دولة الإحتلال الإسرائيلي بآلاف الصواريخ، وهنا سيكون احتمال التدخّل الإيراني والسوري أكبر من أي وقت مضى.
فهل ستحمل المرحلة المقبلة حروباً طائفية جديدة في دول المنطقة وصولاً الى حرب عالمية ثالثة يدخل فيها عنصر النووي هذه المرة، الذي يؤدّي الى فناء دول وشعوب عن وجه الأرض؟! أوساط ديبلوماسية عليمة تجيب بأنّ ما آل اليه الوضع في لبنان مع استقالة الرئيس سعد الحريري التي لا تزال معلّقة حتى الآن، وجرى وصفه بأنّه «زلزال كبير»، لم يكن متوقّعاً أبداً خصوصاً مع تشديد الحريري في كلّ مناسبة عن أنّ «التسوية السياسية التي حصلت بينه وبين رئيس الجمهورية وأطراف أخرى ستبقى قائمة، على الأقلّ الى حين موعد الإنتخابات النيابية المقرّرة في أيار المقبل»، وعن أنّ أي موضوع خلافي لن يتمّ طرحه داخل مجلس الوزراء حرصاً على الوحدة الوطنية كما على استمرار الحكومة.
ولهذا فإنّ الإستقالة المفاجئة التي حصلت حتّمت واقعاً ملتبساً وغامضاً لا سيما في الأيام الأولى التي تلتها، ويبقى الوضع اليوم على ما هو عليه الى حين خروج رئيس الجمهورية بقرار مناسب بعد سلسلة اللقاءات الثنائية التي يجريها في قصر بعبدا. وصحيح أنّ الوضع صعب ومأزوم، غير أنّه ليس كارثياً، على ما أكّدت الاوساط، وطبول الحرب لن تُقرع مجدّداً في لبنان.
وكشفت أنّه، بحسب المعلومات، فإنّ لبنان لن يتعرّض لأي قصف مدفعي من أي دولة على المدى المنظور، لا من إسرائيل ولا من سواها. والدليل أنّ مثل هذا السيناريو قد جرى تطبيقه سابقاً في حرب تموز- آب 2006، عندما قصفت إسرائيل الجسور والبنى التحتية في لبنان بهدف القضاء على «حزب الله» ومنع وصول الأسلحة اليه من إيران. والكلّ يعلم ما حصل يومذاك، فقد خرجت إسرائيل من هذه الحرب تجرّ وراءها خيبة الفشل لأنّها لم تتمكّن بعد 33 يوماً من القصف اليومي المركّز على المباني التابعة للحزب في الضاحية الجنوبية من بيروت، وفي الجنوب وتدميرها بشكل كلّي، فضلاً عن قطع الأوصال بين المناطق من خلال قطع الجسور وتحطيمها بشكل عنيف، من إضعاف «حزب الله» أو إجتثاثه من المنطقة، بل أصبح اليوم وبعد 11 عاماً على هذه الحرب أقوى وأكثر نفوذاً، الأمر الذي جعل السعودية تثور بهدف لجم قوّته في الداخل والخارج.
من هنا، فإنّ سيناريو القضاء عسكرياً على «حزب الله» سيفشل مجدّداً، على ما يرى بعض الخبراء العسكريين، ولهذا فإنّ إسرائيل التي تخطّط منذ انتهاء الحرب الماضية، لشنّ حرب جديدة على الحزب تكون منتصرة فيها هذه المرّة، لا تجد أنّه حان الوقت المناسب لذلك. ففرضية خسارة الحرب مرّة جديدة أمام «حزب الله» ستُضعفها كثيراً في المنطقة والعالم، ولهذا فهي ليست مستعدّة للقيام بخطوة ناقصة لا سيما بعد ما وردها من معلومات أكيدة عمّا يمتلكه الحزب من ترسانة عسكرية ضخمة، فضلاً عن جهوزية إيران للدفاع عنه بكلّ ما تملكه من سلاح نووي يوازي ما تملكه إسرائيل وتُهدّد به دول المنطقة.
وما يحكم العلاقة اليوم بين لبنان وتحديداً «حزب الله» فيه، وبين إسرائيل هو القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي أنهى حرب تموز 2006 ونصّ على وقف الأعمال العدائية بين الجانبين. وصحيح أنّ إسرائيل تقوم اليوم بخروقات عدّة لهذا القرار برّاً وبحراً وجوّاً، وآخرها استخدام الأجواء اللبنانية لقصف سوريا، إلاّ أنّ الجانبين لا يزالان، بحسب الأوساط نفسها، ملتزمين بالهدنة التي ينصّ عليها ولا ينويان العودة الى الأعمال العدائية بينهما لأي سبب كان.
وإذا كان الهدف من استقالة الحريري بإيعاز من السعودية هو «قصقصة أذرع القوة الإيرانية الشيعية الضاربة في اليمن ولبنان والعراق بدعم أميركي وإقليمي وإسرائيلي»، كما قيل، فإنّ لبنان لن يكون ساحة لتصفية الحسابات، على ما شدّدت الاوساط، على غرار ما حصل خلال سنوات الحرب التي سُميت «أهلية».
أمّا المواجهات العسكرية التي حصلت حتى الآن في دول المنطقة، فلم تؤدّ الى ما كانت تطمح اليه الدول التي اتفقت على تنفيذ «مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير»، على ما ذكرت الاوساط، لكي تستمرّ في هذا المخطط وبالطريقة نفسها. وما أظهرته الحروب السائدة في المنطقة منذ «الربيع العربي» من فشل ذريع، لا يُمكن التعويل على استمرارها من أجل بسط سيطرة المملكة العربية السعودية على دول المنطقة. وإذا كان يُمكنها أن تتحكّم بمصير الطائفة السنّية في لبنان، على ما ظهر أخيراً بشكل علني وواضح، إلاّ أنّه لا يُمكنها الضغط على بقية الطوائف الـ 17 التي يتكوّن منها البلد.
لهذا فإنّ أي صدام عسكري سعودي – إيراني لن يحصل على الأراضي اللبنانية ولا بأي شكل من الأشكال، على ما أكّدت الوساط، خصوصاً وأنّ الشعب اللبناني لن يدخل مجدّداً في حرب أهلية كرمى لعيون هذا الحليف أو ذاك، فقد دفع غالياً ثمن الحرب الماضية (أكثر من 200 ألف شهيد)، وهو اليوم لن يُكرّر هذه التجربة القاسية من أجل مصالح الآخرين. كما أنّ دولاً خارجية عدّة لا تزال تعوّل على الحفاظ على الأمن والإستقرار في لبنان، وعن النأي بنفسه عن صراعات المنطقة لعدم إقحام إسرائيل في أي حرب مقبلة كونها ليست متأكّدة من أنّها ستُحقّق الإنتصار فيها.
وبرأي الاوساط، إنّ التصعيد اليوم من قبل قوى النزاع الإقليمية والدول الكبرى الحليفة لها ليس سوى ذرّ للرماد في العيون، ومحاولة كلّ فريق الحصول على حصص أكبر من دول المنطقة، لأنّ لا هذا المحور ولا ذاك قادر على إلغاء الطرف الآخر، والدليل ما جرى ويجري في دول المنطقة حالياً، وسابقاً في لبنان خلال الحرب وما بعدها إذ لم يتمكّن أي فريق من القضاء على الفريق الآخر لا سياسياً ولا عسكرياً.
وكشفت المعلومات عن أنّ الزيارة الأولى لعاهل سعودي الى روسيا والتي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز منذ نحو شهر والتقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد حصلت بهدف تقاسم الحصص في المنطقة. فبعد أن عجزت المملكة عن جعل إيران تكفّ عن التدخّل في دول منطقة الشرق الأوسط لا سيما في اليمن وسوريا، حتى مع وساطة روسيا، قرّرت التصعيد قبل التوافق على التقاسم ومن ثمّ إرساء السلام في المنطقة.
كما أنّ استقالة الحريري المؤسفة التي تُرجّح الأوساط نفسها أنّه لن يعود عنها، إذ لم يسبق لأي رئيس حكومة مستقيل في لبنان حتى الآن أن عاد عن استقالته بعد تقديمها، لن تكون نهاية العالم، أو بالأحرى نهاية لبنان، وإن كانت الأمور ستتغيّر عمّا كانت قبلها. فالدستور اللبناني يُعطي الحلول والبدائل ويكفل استمرار عمل المؤسسات، ولهذا فإذا ما كانت نهائية سوف يقبل بها رئيس الجمهورية وينطلق نحو تشكيل حكومة جديدة تواكب الإنتخابات النيابية التي بات إجراؤها أمراً أكثر من ملحّ في المرحلة الراهنة.