منذ 24 كانون الثاني 2022 وحتى 30 كانون الثاني 2024، سنتان مرتا على اعتزال الرئيس سعد الحريري واعلانه في ذاك اليوم، الخروج من الحياة السياسية والانسحاب من دائرة الضوء ومن المشهد برمته، مخلّفا زلزالا سياسيا لم يضرب بيئة “المستقبل” ولم يشتت صفوفها ولم يترك أعضاءها بحيرة من أمرهم وبخيبة أملهم فحسب، انما طالت شظاياه لبنان بأكمله مع غياب المكون السني الاول عن الساحة اللبنانية.
غاب الحريري وغاب معه التمثيل السني الوازن، ابتعد الحريري وأبعد معه التوازن الطائفي في مجلس نواب متشرذم مشتت، جعلته انتخابات 2022 شاهدا على تمثيل سني هزيل، زاح الحريري عن المشهد السياسي، وأزاح معه معادلة وطنية افتقدها لبنان منذ لحظة انسحاب رئيس “تيار المستقبل” من الحياة السياسية فاختلت المعادلة باكملها!
لم يفتقد البرلمان للتصريحات” العقلانية” لسعد الحريري، ولم تفتقد رئاسة الحكومة للعمل المتوازن الحريص على العيش المشترك فحسب، فغالبية النواب والرؤساء الذين تعاملوا مع سعد الحريري كرئيس لمجلس الوزراء وكنائب ورئيس لـ “تيار المستقبل”، ادركوا تماما ان وجود الحريري في المعادلة الوطنية حاجة، لا بل ضرورة لتثبيت السلم الاهلي وتنفيذ مقولة لبنان بلد التعايش المشترك، بلد الاعتدال بكل مكوناته وعلى رأسها المكون السني. ولعل الرسالة المدوية التي بعث بها عضو تكتل “لبنان القوي” النائب آلان عون في جلسة الموازنة الشهيرة وعلى مسمع الجميع، تبقى ابلغ من اي كلام عند الحديث عن مكانة الحريري في المعادلة الوطنية، حيث قال: “الخروج من الوضع المقفل الذي نعيشه يتطلب ذهنية التسويات، وهنا استذكر الرئيس سعد الحريري الذي نفتقده كثيراً في هذه الايام، ويجب ان نعترف بشجاعته وجرأته على فتح الثغرات، وانتاج تسويات باللحظات الحاسمة كما قدم مرتين عام 2016”. وتابع آلان عون: “الرئيس الحريري اشتقنالك ولو كنت موجوداً معنا كانت المعادلة الوطنية اختلفت كثيراً”.
هي رسالة نائب نسج تكتله تسويات مع الحريري، قبل ان تعاكس الظروف الاقليمية الحريري وتجبره على الابتعاد عمن خاض معهم التسوية الرئاسية، فتجرأ آلان عون على قول ما يتمناه كثر ضمنا: عودة الحريري الى الحياة السياسية!
فهل “صار الوقت” لعودة الحريري؟ وهل اكتملت الظروف تمهيدا للعودة التي ستكون حتمية يوما ما؟ انه السؤال الذي يشغل بال اللبنانيين على ابواب ذكرى استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فعلى بُعد اسبوعين من احياء الذكرى الاليمة في الرابع عشر من شباط، بدأت علامات الاستفهام ترسم حول ماذا ينتظر “المستقبل” في هذا اليوم، وسط تأكيدات بان الحريري آت وكالعادة لاحياء هذه الذكرى . فكيف سيكون عليه المشهد في بيت الوسط حيث يواكب العرب كل التفاصيل والصورة التي سترتسم في محيط بيت الوسط وفي شوارع بيروت؟ اوساط مطلعة على جو الحريري تكشف لـ “الديار” بان الترتيبات بدأت تنجز في بيت الوسط حيث سيمكث الحريري لساعات، الا ان جدول اعماله ولقاءاته سيكون محصورا جدا”.
وفي هذا الاطار، يشير مصدر في “المستقبل” الى ان اجتماعات تنسيقية ينكب على عقدها أحمد الحريري مع قياديين ومنسقين من مختلف المناطق، تمهيدا لاحياء الذكرى، وقد برز هذا العام وعلى عكس الاعوام السابقة، تزامن بداية شهر شباط مع شعار “تعوا ننزل ليرجع”، بغية حث الجميع على اكبر مشاركة ممكنة، وعلى ضرورة عودة الحريري الى العمل السياسي.
ويتابع المصدر بان احياء ذكرى 14 شباط هذا العام سيكون مختلفا عن سابقاته، فالتعويل هو على مفاجأة تتمثل بمشاركة شعبية واسعة، الا اذا فعل الطقس فعله وعاكس جمهور “المستقبل”. وفيما ينفي المصدر ان يعقد الحريري لقاءات سياسية سواء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري او غيره، رجح عقد لقاء مع المفتي دريان، اما الاجتماعات الاخرى فقد تحدد في اللحظات الاخيرة اذا ارتأى الحريري.
ولكن هل تبدل الموقف السعودي من سعد الحريري؟ وهل نجح العاملون على خط تحسين العلاقة بين الطرفين على تليين موقف المملكة؟ تكتفي اوساط مطلعة على جو “المستقبل” بالقول: “الجو اليوم افضل من السابق”، وتتابع: “الاجواء العامة ولا سيما في الداخل اللبناني، أظهرت ان الجميع ادرك بان البلد لا يمكنه ان يستقيم ويحقق التوازن الوطني بلا المكون السني، لا سيما ان كل مَن حاول أخذ مكانة الحريري وخلافته فشل، بدءا من السنيورة وصولا لفؤاد مخزومي، حتى ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بما يمثل من ثقل سني وعلاقات جيدة مع الخارج، لم يتمكن من ملء الفراغ الذي احدثه غياب الحريري، حتى انه فشل في نسج علاقات جيدة مع الاطراف المسيحية، كـ “التيار الوطني الحر” و”القوات” اللتين لم تسمه اصلا لرئاسة الحكومة”.
وفي هذا السياق، يأخذ مصدر في “لوطني الحر” على ميقاتي طريقة تعاطيه مع المكون المسيحي في رئاسته لحكومة تصريف الاعمال، وتعاطيه مع الملفات كرئيس للجمهورية، وبالتالي استيلائه على صلاحيات الموقع المسيحي الاول في الدولة اللبنانية.
على اي حال، وبالعودة الى امكانية عودة سعد الحريري للحياة السياسية، تشير مصادر بارزة الى ان الوقائع اثبتت ان “الحريرية السياسة” لم تمت، وما شهدته الملفات الاخيرة التي كانت شاهدة على بصمات سعد الحريري خير دليل، وتتحدث هنا المصادر عن ان التواصل بين الحريري والمملكة غير مقطوع بل قائم عبر قناة معينة، وتكشف ان الحريري كان في الاشهر الماضية يحرص على متابعة ملفات عدة، وفي مقدمها قضية رئيسة دائرة الامتحانات وأمينة سر لجنة المعادلات للتعليم ما قبل الجامعي في وزارة التربية أمل شعبان، والتي تفيد المعلومات بان الحريري الذي تابع كل تفاصيلها، كان يعمل بشكل حثيث للافراج عنها، وقد تدخل شخصيا مع “من يمون” عليهم للعمل على اخراج شعبان وتثبيت براءتها، الى ان كان له ما اراد، ولو ان المسألة تسببت بخلاف حريري – جنبلاطي.
وبانتظار 14 شباط، فهل كل ما يحصل والرسائل التي تُوجّه تمهّد لعودة حريرية قريبة؟ يجيب مصدر موثوق في “المستقبل”: “بكّير بعد للاجابة، لكن الاكيد ان الحريري سيعود مهما طال وقت الانتظار”!
فهل تشمل التسوية المقبلة على المنطقة ملف لبنان، وتمنح بعدها الرياض الضوء الاخضر لعودة “رجل الاعتدال” الذي أُبعِد لرفضه ادخال لبنان بحرب أهلية الى صلب المعادلة الوطنية اللبنانية، فيعود الحريري ويعيد للبيئة السنية وهجها من جديد، ولو ان الحديث كله راهنا يدور حول اسم تمام سلام لرئاسة الحكومة المقبلة؟