الرئيس ميشال عون يدير اللعبة على الأصول بالمعنى الجوهري، لا التقني، لممارسة المسؤولية. ورأس الحكمة هو وضع الاستقالة المتلفزة بين قوسين حتى جلاء الملابسات التي سبقتها ورافقتها منذ السبت الماضي وأثارت كثيرا من الأسئلة الحائرة حول الوضع الفعلي للرئيس سعد الحريري في الرياض. فالأولوية في مطالب الجميع حاليا هي لعودة رئيس الحكومة الى بيروت. والقراءة بالغة الدلالات في البيان الصادر عن كتلة المستقبل النيابية والمكتب السياسي للتيار في اجتماع برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة. إذ نصّ على أن عودة رئيس الحكومة اللبنانية الزعيم الوطني سعد الحريري رئيس تيار المستقبل ضرورة لاستعادة الاعتبار والاحترام للتوازن الداخلي والخارجي للبنان، في اطار الاحترام الكامل للشرعية اللبنانية المتمثلة بالدستور واتفاق الطائف والاحترام للشرعيتين العربية والدولية.
لكن قمة المسؤولية الوطنية تفرض الاستعداد لمواجهة تحديات الأزمة الوطنية التي نحن فيها قبل الاستقالة وبعدها. وهي أزمة تتداخل فيها عوامل محلية أصلية في لعبة السلطة وعوامل خارجية بعضها أصلي وبعضها الآخر زائف في صراع محاور ومشاريع اقليمية ودولية. فلا مهرب، مهما طال التريث الضروري وتنوّعت المحاولات لتسريع عودة الحريري، من تفكيك بعض العوامل في الأزمة المحلية كما في انعكاس الصراع الاقليمي عليها لبدء المعالجة الجدية. ولا بد، سواء أصرّ الحريري على الاستقالة أو كان هناك مجال لتسوية اضافية تعيد الاعتبار الى التسوية السياسية وتترك بابا للمراجعة والتراجع عن الاستقالة، من اتخاذ مواقف واضحة تخرجنا من الوضع الملتبس حاليا.
والسؤال – التحدّي أمام الجميع هو: هل نستطيع تحييد لبنان عن صراع المحاور الاقليمية؟ وهل تريد ذلك قوى أساسية في لبنان مبرّر وجودها هو الدور الذي تلعبه في الصراع الاقليمي؟ الواضح ان قادة المحاور الاقليمية يضعون لبنان بين مسارح الصراع، وانه لا جدوى من الرهان على الضغوط ومحاولات الاقناع لدعوتهم الى ان يرحموا الوطن الصغير، لأن اللعبة بينهم مصيرية. والواضح أيضا هو السيناريوهات المرسومة للفصل الجديد من الصراع بعد الاستراتيجية الأميركية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب ضد ايران وتصاعد التهديد المتبادل بين طهران والرياض.
ذلك ان صحيفة كيهان تحدثت عن استهداف أماكن أخرى في السعودية وعدد من بلدان الخليج بالصواريخ الباليستية المنطلقة من أماكن سيطرة الحوثيين في اليمن. والرئيس روحاني خاطب السعودية ضمنا بالقول ان أميركا وحليفاتها فشلت في مواجهة ايران. والرياض اعتبرت ان اطلاق الصاروخ على مطارها يرقى الى اعلان حرب، وان حكومة لبنان هي حكومة اعلان حرب.
والخيارات أمامنا محدودة جدا.