IMLebanon

خطاب الحريري أبعد من متفجرات RDX

الحوار مع حزب الله من «ربط النزاع» إلى «طاولة الإشتباك»!

من المؤكَّد أن لا الحوار الدائر بين تيار المستقبل وحزب الله، ولا الفراغ الرئاسي في سدّة الرئاسة الأولى، ولا التعثّر في إنتاجية حكومة ملء الشغور في رأس الجمهورية، ولا الأجواء المحيطة بالمحاكمات الجارية في المحكمة الدولية، كانت وحدها وراء المواقف التي ساقها رئيس التيار الرئيس السابق سعد الحريري، في مهرجان احتفال إحياء الذكرى العاشرة لاستشهاد والده الرئيس رفيق الحريري شهيداً..

في الخلفية كانت مسائل أخرى، وتطورات أكثر من زلزالية التأثير، وراء التجديد على أن لبنان لن يكون في المحور الإيراني، وأن اللبنانيين لن يسلّموا لحزب الله بنتائج تدخله في سوريا لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد.

ومن المحتمل جداً أن تكون أحداث اليمن، التي أطاحت بحكومة منصور عبد ربه هادي وهو الرئيس اليمني، الذي ملأ الفراغ الذي خلّفه علي عبد الله صالح، بتسوية خليجية – دولية – أوروبية، والتي حملت الحوثيين بقيادة عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، إلى أن يصبح مرشد الجمهورية اليمنية، وعاصمتها صنعاء، بالتحالف مع الجمهورية الإيرانية، وبقيادة مرشدها آية الله السيّد علي الخامنئي.

ومن المحتمل جداً أن تكون الضربات الحاصلة على جبهة الجولان السوري ضد ما يصفه حزب الله بميليشيا لحد السورية (في إشارة إلى جبهتي النصرة وداعش وغيرهما من تنظيمات مسلحة معارضة لنظام الأسد) أحد المؤشرات، على الخلفية، العالية اللهجة، لخطاب الحريري في البيال، السبت الماضي. فإعلان رفض ربط جنوب سوريا بجنوب لبنان، يصبّ في هذا الإتجاه، ويعني في رأس ما يعني أن الفريق الذي يمثّله لبنانياً، وبامتداده العربي، لن يقرّ، ولن يسهّل أية ارتدادات للتحولات الحاصلة في الدول المرتبطة بلبنان أو هو كائن في محيطها، لمصلحة إيران، والقوى الدائرة في فلكها، ومن بينها حكماً حزب الله..

وتشير صراحة مواقف الحريري وراديكاليتها، إذا صحّت التسمية، مضافاً إليها المشاركة الشخصية بالإحتفال، فضلاً عن الحشد والتنظيم، الفائق الدقة بالنظر إلى السنوات الماضية، إلى أن لبنان، الذي ينعم باستقرار سياسي وأمني، وحتى اقتصادي، يُحسد عليه، بالنظر الى الحرائق التي تدور حوله، مُقبل على اشتداد التنازع حول موقعه، في قلب الإشتباك الدائر على نطاق جغرافي، مساحته، الشرق الأوسط، وحدوده تبدأ من أوكرانيا، ولا تنتهي بالصواريخ الروسية الموجهة إلى أوروبا، في لحظة تسخين الحرب الباردة مع إدارة باراك أوباما الناعمة؟!..

يُدرك الرئيس الحريري الشاب أن والده الرئيس الشهيد سقط من جراء الصراع بين مشروع يحمله، ويرمي إلى إبقاء لبنان بلداً ليبرالياً، وإعادة السمعة المالية لعاصمته بيروت، كما كانت في الستينات، العاصمة المالية للشرق الأوسط، فضلاً عن بناء أفضل العلاقات مع دول الاعتدال العربي، والغرب، ومشروع آخر قوامه تحالف بين نظام بشار الأسد الذي خلف والده الرئيس حافظ الأسد، المتحالف مع حزب الله، الذي برز كقوة كبيرة، عسكرياً وشعبياً، عبر قتاله إسرائيل حتى تحرير الجنوب عام 2000، ومن وراء الإثنين إيران، التي تسعى إلى ربط برّها بالبحر الأبيض المتوسط، من خلال العراق وسوريا ولبنان، فضلاً عن التحكم بمسار التجارة الدولية بالبحر الأحمر عبر باب المندب، بعد سقوط صنعاء بأيدي الحوثيين..

احتلّت مسألة السيطرة على لبنان محور المعركة منذ عام 2000 عام التحرير حتى عام 2005 سقوط رفيق الحريري شهيداً باغتيال، «عبر شاحنة كانت تحمل طنين من المتفجرات العسكرية تسمى RDX، ما يكفي لإحداث إنفجار يعادل تفجير أوكلاهوما سيتي عام 1995» (والكلام لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز وكتبه المحلل العسكري رونن بيرغمان)..

وبصرف النظر عن مآل شهادات الشخصيات السياسية والإعلامية والمالية التي كانت في دائرة الاتصال المباشر بالرئيس الحريري قبل اغتياله، فإن مشهد السيطرة على لبنان، وربطه بالمحاور الجارية في المنطقة، ما يزال يشهد فصولاً متتالية، في ظل تناوب على الإدارات الأميركية بين شخصيات مثل جورج دبليو بوش يعتبر المواجهة بنداً أول، ولو اقتضت تدخلات عسكرية وحروباً، وباراك أوباما، الذي يمضي السنتين الأخيرتين من ولايته الثانية في البيت الأبيض، ضمن توجه جديد، يعتمد مبدأ الحزب الجمهوري بالتدخل المباشر، وليس سياسة «النأي بالنفس» عن الحرب البرية..

في المعمعة هذه، الذي ينخرط فيها الإيراني، بقوة في إعادة تشكيل الجبهات والمحاور من «جنة عدن» إلى أرز لبنان الأخضر، إلى ساحل اللاذقية، مروراً ببلاد ما بين النهرين، وأرض أول الحضارات المكتوبة على هذا الكوكب، ينتقل الاشتباك من مرحلة إلى مرحلة، ويصبح العامل الإسرائيلي، والعامل العرقي، والعوامل الدينية والمذهبية عوامل متدخلة بقوة في الصراعات الجارية..

ومن هذه الوجهة بالذات، قد تكون حسابات غير معروفة وراء نزع فتيل الإنفجار الكبير، الذي كانت تعيشه المنطقة المحيطة بإسرائيل ولبنان، بعد اعتداء 18 ك2 والردّ اللاحق عليه في عملية شبعا في 28 ك2، التي أعادت طرفي النزاع المسلّح إسرائيل وحزب الله إلى قواعد جديدة للإشتباك..

ونزع الفتيل هذا قد لا يتكرر في المرات المقبلة، مما يجعل الصراع مفتوحاً على احتمالات أسوأ، إذا ما قرّر الكونغرس إعطاء الإذن لأوباما باللجوء إلى الحرب البرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا «داعش»..

أعادت حوادث اليمن قواعد الإشتباك إلى الطاولة مجدداً..فتراجعت التسوية التي أدّت إلى نشوء وضعية سياسية وعسكرية سمحت بإعادة تكوين السلطة بدءاً من رئيس الجمهورية، إلى رئيس مجلس النواب، الى رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي..

فليس من قبيل الصدفة مثلاً أن تتمكن مجموعات من داعش من الإقتراب من البغدادية في محافظة الإنبار.. وليس من قبيل الصدفة، العودة إلى سياسة التشكيك بين مكوّنات الحكومة العراقية، والقبائل والعشائر، ومكوّنات الحرس الوطني العراقي..

ومن الخطأ الفادح،اعتبار لبنان بمنأى عن لعبة المحاور الجارية في المنطقة.. فحزب الله، بما هو مقاومة، مستمر في دوره على الجبهات السورية، من معركة جنوب سوريا، حيث يتقدّم جيش الأسد إلى سائر الجبهات الأخرى، لا سيّما في حلب وريف دمشق، ومنطقة الزبداني، وصولاً إلى الرقة وعمق حمص..

لقد أطاح «إعلان بعبدا» بالتمديد ثلاث سنوات للرئيس ميشال سليمان.. وأطاح تبنّي هذا الإعلان، بحكومة «كلنا للوطن كلنا للعمل».. وأدّت المشاركة العسكرية الواسعة لحزب الله في سوريا إلى إعادة الشراكة مع تيار المستقبل لتقاسم السلطة، تحت شعار «حماية بلدنا والحفاظ على استقراره وسلمه وأمنه»..

ترتبط أزمة لبنان لجهة الإحتقان السنّي – الشيعي بالأزمة العراقية..وبالحاجة «الإقليمية والعربية» إلى واحة هدوء.. للإلتقاء أو حتى الإفتراق..

اكتسب لبنان صفة الواحة.. وتعطّلت مؤسساته، فإذا انطلقت الحوارات بين مكوّناته، في الوقت الإقليمي – الدولي الضائع.. يصبح من المحق طرح السؤال: ماذا عن مصير الحوارات في الوقت الممتلئ إقليمياً ودولياً، بتوترات، أو تغييرات في قواعد الإشتباك؟!

صحيح أن الرئيس الحريري الإبن أعاد التأكيد على أهمية الحوار بين تياره وحزب الله في إطار ما اصطلح على تسميته بـ «ربط النزاع»، لكن الصحيح أيضاً أن الحوار، في حلقاته المقبلة، يتخطّى النزاع نفسه إلى الإقتراب من «طاولة الإشتباك»!