ستغيب كل الشعارات الرنّانة التي اعتاد جمهور تيار المستقبل سماعها في ذكرى 14 شباط. سيحلّ محلّها تأكيد «صوابية التسوية التي سار نحوها الرئيس سعد الحريري بانتخاب ميشال عون رئيساً». الخطاب سيكون موجهاً في الدرجة الأولى إلى الجمهور «داخل الطائفة»، كون الذكرى تأتي عشية الانتخابات النيابية
ظاهرياً، يسير الرئيس سعد الحريري بخطى واثقة ومرتاحة. يوحي بأنه أعاد إلى صفوف تياره اللُّحمة، وغرز مساميرها جيداً بعد المؤتمر العام الأخير لـ«المستقبل». لكنه على الأرجح سيكون مُخطئاً في ظنّه لو «نام على حرير»، معتقداً بأنه «نفذ بريشه» من تداعيات ذهابه إلى تسوية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. يعلم الرجل في قرارة نفسه بأن الشارع المُستقبلي غير ممتنّ، وأن عبارة «الانكسار» لا تنفكّ تتردّد في سرّه. لكنه آثر هذه المرّة الثبات، محاولاً تحقيق أي إنجاز لتقديمه إلى جمهوره على أنه ثمرة لهذه التسوية، وتأكيد صوابية خياره.
هو ينتظر يوم 14 شباط لقول ما لم يقله بعد، في ذكرى أهم ما فيها أنها الأولى بعد عودته إلى السلطة، وتُختصر لائحة أبعادها بثلاث نقاط: أولاها أن توقيت إحيائها يأتي بعد سنة مهمّة ومفصلية في مسيرة الحريري السياسية، عاد فيها الأخير إلى البلاد بعد فترة غياب طوعية، انعكست سلباً على وضعيته الشعبية داخل بيئته، واهتزازاً في تحالفاته، فكانت هذه العودة بالنسبة إليه مسألة حياة أو موت، ما جعله يسعى إلى تسوية بأي ثمن. وثانيتها، أنه سيعتلي منبر ذكرى اغتيال والده هذه المرة بعد انتخابات تنظيمية شهدها تياره، ونجح خلالها في معالجة بعض التصدعات التي أصابت جسم التيار منذ عام 2009 حتى الأمس القريب. أما الثالثة، فهي أن الذكرى تأتي عشيّة استحقاق انتخابي نيابي، سيكون هو الآخر مفصلياً بالنسبة إلى الحريري، للحفاظ على حضوره وحجمه النيابي، خصوصاً أن المعركة حسب ما يظهر ستكون سنّية بامتياز، نتيجة الضغط الذي يتعرّض له الحريري من قبل شخصيات سنية معارضة له، تستغّل كل كبيرة وصغيرة للتصويب عليه.
سيحاول الحريري دفن فكرة أن عون هو «مرشح حزب الله وإيران من خلفه»
انطلاقاً من هذه النقاط، يُمكن القول إن الخطاب الذي سيلقيه رئيس الحكومة في 14 شباط سيكون موجهاً للرأي العام داخل طائفته أولاً وأخيراً، وسيحمل بين سطوره الكثير من التعبئة والاستنهاض. بحسب المعلومات، لن يستعيد الحريري هذه الذكرى عاطفياً، ولو أن المهرجان الذي سيقام في البيال سيكون شكلياً نسخة مكررة عن مهرجانات السنوات الماضية لجهة إلقاء كلمات عن مسيرة الرئيس رفيق الحريري ونهجه، والفيلم الوثائقي الذي اعتاد المنظّمون إعداده. غير أن كلمة الحريري هي التي ستكون مختلفة. في 14 شباط 2017 لن يشبه الحريري نفسه. لن يفتح النار على أحد، بل سيدافع عن حسابات يعلم أن جمهوره لم يهضمها، رغم أن السياسة هي التي فرضتها عليه. لن تطول لائحة الهجوم على خصوم الأمس. لن يوفر مساحة كبيرة للتصويب على السلاح غير الشرعي والميليشيات خارج الدولة، وكل تلك الشعارات التي اعتادها الحاضرون. هذه المرّة، سيركّز الرئيس الحريري في خطابه على إقناع جمهوره «بصوابية خياره دعم الرئيس عون»، بعد أن يقدّم قراءة مفصّلة للظروف التي رافقت هذا الترشيح. سيبرّر هذه الصوابية لكون التسوية التي سار نحوها «أعادت الاستقرار السياسي إلى البلاد»، كما «أعادت الاعتبار إلى مفهوم المؤسسات، وحرّكت الدورة الاقتصادية»، و«استطعنا من خلالها تأكيد أهمية اتفاق الطائف بكل أبعاده». لن ينسى الحريري محاولة دفن فكرة أن الرئيس عون هو «مرشح حزب الله، وإيران من خلفه». والدليل؟ أن «رئيس الجمهورية افتتح جولته الخارجية بزيارة إلى المملكة العربية السعودية».
سيقدّم الحريري نفسه في هذا الخطاب على أنه الأكثر براعة في عملية «الاستثمار في السلم لا في الحرب»، ليؤكد «التناغم مع رئيس الجمهورية». وماذا عن حزب الله وسلاحه؟ سيحاذر الهجوم العشوائي «تفادياً لإحراج ميشال عون والتيار الوطني الحرّ». لا يعني ذلك أنه لن يأتي على ذكر هذا الملف من لبنان مروراً بسوريا وصولاً الى اليمن، لكنه سيتحدث بشكل «كلاسيكي»، ليظهر متصالحاً مع نفسه، ويمنع كل «خصومه» داخل طائفته من استغلال أي «ثغرة» لشنّ هجوم عليه، من دون إعطاء الحزب فرصة للردّ و«فتح مشكل سياسي» هو في غنى عنه.