بالتزامن مع بحث الرئيس المكلّف سعد الحريري المستمرّ عن تشكيلة وزارية تضمن قيادته «الآمنة» لحكومة تواكب العهد حتى أيامه الأخيرة، يهمّه ضمان الحصول على ثقة نيابية تبعد عن حكومته الثالثة شبح التطيير أو التعطيل، والأهم حكومة منتجة حذّر باكراً من أنه لن يسمح بتحوّلها «حلبة ملاكمة»!
إعتُبِرت حكومة الحريري الثانية، والاولى في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون في كانون الاول 2016، الحكومة الأسرع في التكليف والتأليف منذ العام 2005، حيث استغرق تأليفها شهراً ونصف الشهر فقط.
تفاؤل الحريري المفرط والمتكرّر، منذ التكليف الثالث، لم يجنّبه المحظور. حكومته محاصرة منذ خمسة أشهر بالشروط والسقوف العالية، و«الثقة» الموعودة في مجلس النواب ستبقى أسيرة حسابات اللحظة الأخيرة، طالما أنّ هناك مَن لا يزال يلوّح له بإمكانية سقوط حكومته في مجلس النواب إذا صدرت مراسيم الحكومة «على زغل».
لم يتردّد الوزير جبران باسيل في قولها كما هي: «لا مهلة للرئيس المكلف لتشكيل للحكومة، ولكن الأكيد أنه يضع مهلة لنفسه، وفي نهايتها يذهب بالتشكيلة الى المجلس النيابي فإما تنال الثقة بالإجماع أو بالأكثرية، وإما تسقط وتكون رسالة من المجلس الى رئيسَي الجمهورية والحكومة أنها حكومة غير مقبولة، وفي هذه الحالة نعود ونسمّي الرئيس الحريري، ولكن على قواعد أخرى نتّفق عليها لكي تنال هذه الحكومة الثقة». أما إحتمالُ بقاء فريق رئيس الجمهورية خارج الحكومة، كما لوّح باسيل، فيصفها العارفون بـ «الدعابة»!
ثقة قياسية نالتها حكومة الحريري الأولى في كانون الأول 2009 بلغت 122 نائباً، بعد إعتذار عن التأليف ليعاد تكليفه مجدداً. كواليس «الشيخ» في الأشهر الماضية كانت تنفي دوماً إحتمال تكرار هذا السيناريو. «إما تشكيلة ممهورة بتوقيعي، وغير مفروضة عليّ وعلى فريقي السياسي، وإما الإعتذار والإنكفاء».
الاحتمال الثاني لم يراود الحريري حتّى في عزّ إستيائه «ممّن يحاول أن يضع «دفتر شروط» لمهمّتي كرئيس مكلّف لتأليف الحكومة».
حكومة الحريري الثانية نالت ثقة 87 نائباً من أصل 92 حضروا الجلسة في كانون الاول عام 2016. نواب «الكتائب» الثلاثة سامي الجميل ونديم الجميل وسامر سعادة حجبوا ثقتهم عن الحكومة، فيما إمتنع نائب «الجماعة» عماد الحوت عن التصويت تماماً كما الحكومة الأولى. النائب خالد الضاهر، الذي كان علّق عضويّته في تيار «المستقبل»، لم يساير الحريري حتى بصوته!
بعد ما كلّفه رئيس الجمهورية، في ضوء تأييد 111 نائباً، إكتشف الحريري باكراً أنّ ولادة حكومته لن تكون سهلة أبداً، خصوصاً أنها ستكون «حكومة كل العهد».
يقول عارفوه إنه «حاول منذ الأيام الأولى للتكليف حَشِر الجميع بتعميم أجواء تفاؤل مقصودة لإقفال الطريق على المطالب التعجيزية، خصوصاً أنّ نتائج الانتخابات النيابية، كانت تسمح بهامش مناورة كبير ولأنّ حكومته ستكون «الضحية» لأولى ترجمات الإنتخابات على أساس النسبية، والدليل تقاطع القوى السياسية كافة عند جملة واحدة: «إحترام نتائج الانتخابات النيابية»!
وباكراً جداً إقتنع الحريري أنّ «اللغمَ الفعلي أمام ولادة حكومته هو حصة العهد وفريق رئيس الجمهورية التي قد تأتي على حسابنا جميعاً»، كما ردّد دوماً، إضافة الى توجّسه من انهيار «أساسات» اتّفاق معراب وتداعياته على مفاوضات الأحجام داخل الحكومة!
بالتأكيد، الثقة التي ستنالها حكومة الحريري الثالثة سترتبط بأكثر من عامل ومعطى لكنّ الأساس هو عامل التمثيل وتوزيع الحصص والحقائب داخل الحكومة، خصوصاً أنّ ثمّة متضرّرين قد يحجبون الثقة عن حكومته.
«حزب الكتائب» الذي سلك درب المهادنة «الغاندية» منذ فرز نتائج صناديق الاقتراع هو مثال على ذلك. فـ «حرب» الأحجام والحقائب التي اندلعت بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، ونظام «المبادلة» بين رئيس الجمهورية وقوى سياسية، لا يسمحان بالحديث عن ترفِ ترك مقعد، ولو بلا حقيبة، لـ «الكتائب». لذلك قد تدشّن الصيفي معارضتها بحجب الثقة عن الحكومة!
يمكن التسليم بأنّ ليس جميع القوى والنواب الذين سمّوا الحريري سيمنحون الثقة لحكومته بالضرورة عند مثولها أمام مجلس النواب… أو بالعكس! وفق المؤكّد ستمنح الكتل النيابية التالية ثقتها لحكومة الحريري الثالثة: كتلة «المستقبل» (20 نائباً)، كتلة «الجمهورية القوية»-القوات اللبنانية (15 نائباً)، «كتلة لبنان القوي» (29 نائباً بينهم «الطاشناق»)، كتلة الرئيس نبيه بري (17 نائباً)، كتلة النائب تيمور جنبلاط (9 نواب)، كتلة «المردة» (3 نواب).
ووفق المعلومات، فإنّ «حزب الله» (14 نائباً) لن يحجب الثقة عن حكومة سيتمثل فيها بحقيبة وازنة، ورافعاً فيها شعار «مكافحة الفساد»، للمرة الأولى منذ دخوله المعترك السياسي، مع العلم أنه صوّت لحكومتي الحريري الاولى والثانية، ما يرفع عدد مانحي الثقة للحكومة الى 107 أصوات.
وأصوات نواب «الكتائب» (3) إضافة الى النواب المستقلّين (7 نواب) و«التكتل الوطني» (7 نواب) وكتلة الرئيس نجيب ميقاتي (4 نواب) و»الحزب القومي» (3 نواب)، تبقى ضمن بلوك الأصوات المتأرجحة التي بأكثريتها قد تمنح الثقة لحكومة الحريري، فيما يرجّح أن يحجبها «القومي» في حال عدم تمثله في الحكومة وعدد من النواب السنّة الناقمين من الاستبعاد.
ويبدو أنّ الحريري يولي أهمّية لخروج حكومته من جلسة مناقشة البيان الوزاري بثقة نيابية تلامس تلك التي حصلت عليها حكومتُه الأولى، فيما عناوين البيان الأساسية تُطرح بالتوازي مع «وجعة رأس» الحقائب والأحجام، في ظلّ رهان قريبين من الحريري على نيل حكومته ثقة قياسية.
أما سقوطها تحت قبة البرلمان فلن يكون سوى الواجهة لـ «مشكل» وليس لتكليف آخر للحريري.