هل تنسحب أفضلية الولايات المتحدة للتعاون مع ايران بناء على أفق جديد في العلاقات بين الدولتين ما بعد الاتفاق النووي خلال شهرين والاعتراف بدور مؤثر لها لا يمكن تجاوزه في الحلول في مناطق النزاعات في المنطقة ما يهدد ان يأتي على حساب الدول العربية ذات الغالبية السنية، على لبنان أيضاً، فنشهد فصولاً من التطبيع بين واشنطن و”حزب الله” يعتقد كثر أنه بدأ من خلال سريان القرار الاميركي بعدم استفزاز ايران بأي شكل من أجل انجاز المفاوضات النووية، ما انعكس أيضاً في لبنان؟. يعتبر كثر أن الولايات المتحدة انتهت في لبنان كحليفة غير مباشرة لـ”حزب الله” الذي يدعم بشار الأسد في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية فيما تدعم واشنطن الجيش اللبناني وتمده بالمساعدات من أجل الوقوف في وجه هذه التنظيمات ومحاربتها في شكل أساسي. وثمة ارتياح خارجي غير خاف لهدوء الوضع في الجنوب وسيادة الاستقرار فيه على رغم بعض الحوادث ما يمثل نقاطاً ايجابية تسجل في خانة التزام الحزب الهدوء وعدم الاستفزاز، وذلك على رغم أن الموقف الرسمي لواشنطن من الحزب لم يتغير.
السؤال يثيره بعض المصادر السياسية في ضوء زيارة الرئيس سعد الحريري الى واشنطن في الأيام الاخيرة والتي أعقبت زيارة قام بها قبل اسابيع قليلة وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يصادف انه عضو في تيار المستقبل أيضاً ولو ان الدعوة للمشنوق تستند الى مدى اهتمام واشنطن بالوضع الامني في لبنان والاولوية التي توليها لهذا الملف. فلبنان غائب عن الاهتمامات الاميركية فيما قد يكون مفيداً محاولة اعادة الاعتبار اليه في دوائر القرار الاميركية وايلائه بعض الأهمية وعدم تركه فريسة للتداعيات الاقليمية الخطيرة من باب غير بابي مواجهة الارهاب واللاجئين السوريين فحسب. ومع ان فريق 14 آذار عدّ حليفاً للولايات المتحدة منذ 2005 حين تبنّت واشنطن ثورة الأرز بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فان هذه المصادر تعتقد أن هذه العلاقة خمدت أو ضعفت في العامين الاخيرين في ظل المفاوضات حول النووي في الدرجة الاولى وتحول الاهتمام الاميركي الى “استرضاء ” ايران في الملفات التي تهتم بها في المنطقة في حين يعتقد بعض في هذه القوى ان هذه الأخيرة لم تحافظ على العلاقات التي نسجتها سابقاً فيما كان عليها ذلك نتيجة اعتبارات متعددة. اذ ليس خافياً ما تمّ تداوله على نطاق واسع في واشنطن من الأفضلية التي بات يوليها البيت الابيض للتعاطي مع الشيعية السياسية في المنطقة التي تمثلها ايران في الدرجة الأولى لتراجع الاعتدال السني خصوصاً في ضوء المد والجزر الذي شاب العلاقات مع مصر قبل أن يقر البيت الابيض مجدداً بالتعامل مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والارتباك الذي ما زالت واشنطن تواجهه ازاء التعامل مع الدول العربية بعد الثورات فيها ومن ثم ازاء التعامل مع ظاهرة تنظيم الدولة الاسلامية. وتبرز اللقاءات الرسمية وغير الرسمية خصوصاً، التي عقدها الحريري وجهاً كان ولا يزال يتعيّن التذكير به وهو أن الاعتدال السني لا يزال موجوداً بقوة وله خصوصيته المعبّرة في لبنان باعتبار أنه يوجّه الرسالة الأساسية في هذا الاطار ومفادها أن هذا الاعتدال هو من يستطيع مواجهة التطرف السني وليس أي طرف آخر يمكن التعاون معه على هذا الصعيد لأنه يؤتي نتائج عكسية كما أن التطرّف السني يسعى الى مواجهة الاعتدال السني قبل أي فريق أو طرف آخر. ولبنان يشكّل نموذجاً واضحاً على هذا الصعيد انطلاقاً من أن التغطية السنية للحكومة ساهمت ولا تزال في تأمين ما يلزم من أجل مواجهة التنظيمات الارهابية. فالصورة التي يقدمها لبنان على هذا الصعيد في واشنطن أن ليس ثمة اعتدالاً سنياً فحسب ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار بل أن هذا الاعتدال السني ناجح وهو شريك بوجه حضاري ليس بعيداً من ثقافة الغرب وقيمه السياسية والفكرية والثقافية، وليس وفق ما ينشر بالصور التي يعبر عنها تنظيم الدولة الاسلامية أو التطرف الأصولي عموماً.
والسؤال يثيره أيضاً من يعتقد ان لبنان لا ينبغي أن يبقى على قارعة الانتظار بحيث من المرجح أن يتلقى انعكاسات الحروب أو انعكاسات الاتفاقات أو التسويات من دون أي رأي فاعل أو مؤثّر. فهناك من يعتبر أن “حزب الله” حجز لنفسه موقعاً متقدماً في أي تسوية يتم بحثها من أجل سوريا من أجل ألا تأتي على حسابه انطلاقا من أن نهاية النظام الحالي قد تحمل مؤشرات خطيرة بالنسبة اليه. اذ ليست ايران وحدها من ستدافع عنه في أي تسوية فحسب من أجل أن تضمن استمراريته بل هو يستمدها أيضاً من واقع بناه ميدانياً أن في الجنوب أو في مواقع أخرى. ومع أن قوى الخصوم ليست في موقع حرج كما هي الحال بالنسبة الى الحزب، الا أنها انكفأت في اعتبار البعض عن الدفاع فعليا وعملانياً وليس كلامياً عن مواقعها في حين انه اذا كان زمن أي تسوية من التسويات الاميركية يقترب مع ايران، فإنه لا ينبغي أن يدفع لبنان ثمناً، أياً كانت طبيعة هذا الثمن، على غرار ما حصل سابقاً مع النظام السوري ولو أن كل الكلام لا يزال على الفصل بين الملف النووي الإيراني والملف الاقليمي.