زيارة الحريري لروسيا عامل مهمّ لإستمرار التسوية الداخلية ومنع الإخلال بها
تأييد حياد لبنان وتجنُّب أي تداعيات سلبية محتملة لتسوية الأزمة في سوريا
المسؤولون الروس يحفظون للرئيس الحريري إصراره على استمرار العلاقة الجيدة والقوية التي ورثها عن والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري
عندما رسم رئيس الحكومة سعد الحريري خارطة تحركه الخارجي لدعم أسس استمرار التسوية الداخلية التي أرساها بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة وحدة وطنية برئاسته تعكس موازين القوى السياسية الداخلية قدر الإمكان من جهة، ولتكريس حياد لبنان وإبعاد أي تداعيات محتملة لصفقة التسوية التي باتت معظم اسسها شبه معروفة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لإنهاء الحرب في سوريا، كان على يقين تام، انه بعد زيارتيه الناجحتين لكل من واشنطن وباريس والدعم الكامل الذي حصل عليه بخصوص الحرص على أمن واستقرار وسلامة لبنان، لا بدّ وأن يكتمل هذا التحرك ليشمل روسيا باعتبارها احدى الدول الكبرى والدولة الفاعلة والمؤثرة في المنطقة حاليا بعد تدخلها العسكري المباشر في الحرب الدائرة بسوريا منذ ما يقارب العامين والتي اصبح لها اليد الطولى حاليا في مسارها والتأثير الفعال بالأزمة السورية حرباً أو سلماً ومن خلالها بالمنطقة وبالطبع لبنان من ضمنها باعتباره يجاور سوريا في حدود طويلة ولديه اكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري وانخراط حزب الله بالقتال الى جانب قوات النظام السوري وما يمكن ان يترتب على كل هذه الوقائع، من تداعيات ومؤثرات على الداخل اللبناني من جهة ثانية.
وبالفعل، فقد لاقت زيارة الرئيس الحريري إلى موسكو اهتماما ملحوظا تجلى في وقائع اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين الروس على اختلافهم، وما لمسه من تفهم لواقع لبنان وحرص شديد على الاستقرار والأمن والعمل على منع أي تداعيات للأزمة السورية على الواقع الداخلي.
ولا شك فإن المسؤولين الروس يحفظون للرئيس الحريري اصراره على استمرار العلاقة الجيدة والقوية التي ورثها عن والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري مع القيادة الروسية الحالية بالرغم من كل التطورات والتقلبات التي حصلت في المنطقة منذ ذلك الحين، وهو لم ينقطع عن زيارة موسكو خلالها وكان حريصاً على تطوير هذه العلاقة لمصلحة البلدين، وعلى التشاور مع المسؤولين الروس في كل ما يهم لبنان ويحفظ مصالحه واستقراره، وكان التقى الرئيس الروسي أكثر من مرّة ابان مرحلة الفراغ الرئاسي التي مرّ بها لبنان في السابق ومحذراً من مخاطر استمرار هذا الفراغ وغياب رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في المنطقة عن سدة الرئاسة، ليس على الرئاسة فقط وإنما على المسيحيين وطالبا في الوقت نفسه المساعدة من القيادة الروسية لإنهاء هذا الفراغ.
فهذه العلاقة كان لها تأثير واضح في وقائع الزيارة ونتائجها وخصوصا في اللقاء الذي عقده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقره الصيفي مع الرئيس الحريري وتميز بحفاوة الاستقبال وحضور وزير الخارجية والاقتصاد للدلالة على أهمية المواضيع المطروحة، إن كان على الصعيد السياسي والديبلوماسي، أو في ما يخص تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين نحو الافضل وهو ما عبر عنه الرئيس الروسي بوضوح خلال هذا اللقاء الذي تطرق إلى كل الاوضاع السائدة في المنطقة ومسار الحرب الدائرة بسوريا وتأثيرها على لبنان ودول الجوار ورؤية القيادة الروسية للمرحلة المقبلة وكيفية إنهاء هذه الحرب.
اما في ما يهم لبنان، فقد عبّر الرئيس الروسي بوضوح عن تقديره للدور الإيجابي والبناء للرئيس الحريري لإنهاء الفراغ الرئاسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومشيداً بالاسلوب السياسي الذي يمارسه في السلطة حالياً لقادة البلاد بعيداً عن المخاطر الداخلية والخارجية على حدٍ سواء، ومؤكداً في الوقت نفسه على ضرورة استمرار التوازنات السياسية بالداخل والتي تضمن مشاركة جميع الأطراف بالسلطة بعيداً عمّا يحصل في سوريا وغيرها، وحرص القيادة الروسية على دعم الاستقرار في لبنان ومثنياً على الجهود التي قام بها الجيش اللبناني لتحرير الأراضي اللبنانية من الوجود المسلح لتنظيمي «داعش» و«النصرة» الارهابيين.
وبالنسبة لسوريا، فقد أكّد الرئيس الروسي حرص روسيا على وحدة وسيادة سوريا ورفضها أي محاولة لتقسيمها من أي كان وهو ما تعمل عليه بلاده حالياً من خلال التدخل العسكري الحاسم الذي تقوم به والاتصالات الدبلوماسية مع الدول المعنية لتعميم مناطق خفض التوتر في المرحلة الأولى لتشمل جميع المناطق لاحقاً وفي الوقت نفسه تكثيف الاتصالات السياسية والدبلوماسية للانتقال إلى الحل السياسي لاحقاً، والذي يجب ان يشمل جميع مكونات الشعب السوري ولا يستثني أحداً، ومؤكداً على ضرورة ان يشمل هذا الحل عودة النازحين السوريين إلى سوريا، أكانوا من لبنان أو غيره من الدول المجاورة، مستبعداً أي تداعيات سلبية على لبنان جرّاء ذلك.
ولم يقتصر الاهتمام الروسي بالشأن السياسي، بل تعداه إلى الشأن الاقتصادي والتجاري وتشجيع الاستثمار في كلا البلدين وهذا الجانب من المباحثات إتسم بجدية لافتة، باعتبار ان روسيا تعوّل على الدور المهم لمكانة لبنان في المرحلة المقبلة تجاه المنطقة العربية ككل، وقد تناول النقاش جميع معوقات تطوير العلاقات الاقتصادية إنطلاقاً من مسألة تسهيل إعطاء سمات دخول للبلدين لطبقة رجال الأعمال الذين يترددون باستمرار لملاحقة أعمالهم، على ان تشمل قطاع السياحة لاحقاً وبعدها الراغبين بزيارة البلدين.
المهم ان الجانب الروسي شكل فور مغادرة الرئيس الحريري فريق عمل اقتصادي سيباشر تحركه ضمن جدول أعمال استناداً لما تمّ الاتفاق عليه بين الرئيس الروسي والرئيس الحريري، وننتظر ان تؤدي هذه التوجهات الجديدة إلى نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية بين البلدين في حال تمّ إزالة العقبات التي تعترض تطوير هذه العلاقات من كلا الجانبين.