Site icon IMLebanon

ضوء المستقبل في عين التينة

 

بعد عودة الرئيس الحريري إلى بيروت، وإحياء الذكرى التاسعة عشر لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، ومن ثَمَّ هذا الحضور الجماهيري الكبير تحت عنوان الوفاء للرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري، وتوافد الشخصيات السياسية من كافة الأفرقاء السياسيين وسفراء الدول إلى بيت الوسط، ودعوات الجميع له للعودة عن قرار اعتكافه، جاءت زيارة الحريري إلى عين التينة لافتة في الشكل والمضمون، وفي حفاوة استقبال الرئيس نبيه بري الذي لاحظ أن هناك ضوءاً قوياً لدى وصول الحريري، فأجابه الحريري: «هذا ضوء المستقبل».

ربما يحتاج اللبنانيون فعلاً لهذا الضوء من عودة التلاقي بين مختلف القيادات السياسية والوطنية، كما هذا التلاقي والالتحام الحاصل بين الرئيس المعتدل والرمز سعد الحريري وبين الحشود التي أتت لملاقاته من مختلف المناطق ومحبيه من مختلف الطوائف في لبنان لتطالبه بالعودة الدائمة والبقاء في لبنان. والرئيس الحريري يدرك أن الناس قالت كلمتها في ١٤ شباط، وأن لبنان يعاني من أزمات عديدة، وأنه لا يمكن للأمور أن تنتظم دون عودة المؤسسات إلى أعمالها الطبيعية، وأولها إنجاز الاستحقاق الدستوري المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية. وبانتظار ذلك يكرر الرئيس الحريري قوله: «كل شيء بوقته حلو»، وأنه لم يحن الأوان بعد لعودته السياسية. ومع ذلك فهو لم ولن يترك الناس، وهو معهم وبجانبهم أينما كان من خلال العمل الإنساني والتواصل المستمر مع كافة القوى والكتل النيابية لحثّها على انتخاب رئيس الجمهورية في هذه المرحلة التي يتزايد فيها خطر الحرب على لبنان، وحيث دعا لأهل الجنوب قائلاً: «الله يعينهم، والله يجنبهم الحرب، والواضح أن نتنياهو يحاول الذهاب الى الحرب مهما كلف الأمر».

 

الواقعية غلبت على كلام الحريري لقناة الحدث، وفيه أكد على أن خروجه من العمل السياسي لا يعني أنه خرج من محبته للبنانيين ووجوده بينهم، وأن لحظة تعليقه للعمل السياسي أتت في مرحلة خطرة طالب فيها المجتمع الدولي بحدوث تغيير سياسي في لبنان، وما زلنا في الخطر بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، وعدم تجاوز اللبنانيين لخلافاتهم في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة. ورأى الرئيس الحريري أن تطور العلاقات السعودية – الإيرانية مفيد للمنطقة، وأن إيران لا تريد توسيع الحرب مع إسرائيل، والواجب على الجميع بالوقوف مع أهل وأطفال غزة حتى لا ينجح العدو وحكومة نتنياهو في استدراجنا إلى الحرب الواسعة أو الشاملة لإبعاد الأنظار عن عدوانه الهمجي وجرائمه المتمادية في قطاع غزة.

 

واختصر الحريري المشهد السياسي بقوله أن رفيق الحريري كان مشروع دولة لمستقبل لبنان، مشروع الاعتدال والوسطية، وما نراه في المنطقة هو كل أنواع التطرف، والتطرف لا يأتي بمستقبل للشعوب. وحول ما ذكره عن تصفير مشاكل الدول العربية دعا الحريري إلى السلام بين الدول العربية والإسلامية، واعتبر أن ما تقوم به المملكة العربية السعودية مع إيران ممتاز لكافة دول المنطقة ولبنان الذي تعب مثلها من الخلافات ومشاريع الحروب والانقسام والتطرف. وبسؤاله حول مدى إيمان المنظومة اللبنانية بهذه المسألة، أجاب الحريري بما يدلّ على أن كلمة السر في لبنان تأتي دائماً أو غالباً من الخارج بقوله: «أظن أن المنظومة ستؤمن حين يأتي لها الأمر بالإيمان». ولعل أهم الإشارات في مستقبل التسوية والمشهد السياسي اللبناني يمكن رصدها من كلام الحريري الذي تضمّن أيضاً إقراراً بفشل التسوية في لبنان في العام ٢٠١٦، وما قاله أن فشل تجربة التسوية السابقة لا يعني أن كل التجارب فاشلة، وأنه يحب سليمان فرنجية وهو صديقه، كما جهاد أزعور، وأن علاقة حزب الله بإيران لا تعني أنه ليس لدى الحزب هامشاً للعمل في الداخل اللبناني. وفي هذا الكلام ضوءٌ جديد وانفتاح من قبل الحريري ودعوة واضحة لجميع الأفرقاء إلى التلاقي والوفاق وتسوية لا مفر منها لإنقاذ لبنان.