ديبلوماسي غربي: الممانعة والمعارضة تتفقان على نسف الاتفاق مع صندوق النقد
تشكّل عشوائية التعاطي مع التوقيت الصيفي فصلا من الفصول المؤسفة والمؤلمة لآليات حكم البلد والتحكّم به، ومثالا سيئا لما ينتظر اللبنانيين من ممارسات متفلّتة نتيجة التطبيع المقصود الحاصل مع الفراغ الرئاسي، ونموذجا مشوّها لما هو منتظر ومتوقع من النزق السلطوي والعشوائية والكيدية في مقاربة المسائل والإشكاليات، في حال كُتِب لمنظومة الدولة العميقة أن تجدد نفسها عبر انتخاب رئيس للجمهورية من لدنها وصلبها.
الاستعصاء قائم نتيجة تضافر عوامل داخلية زادت التعقيدات تعقيداً
صحيح أن لا خروج من المراوحة القاتلة سوى بانتخاب الرئيس العتيد، لكن الصحيح أيضا أن الإستعصاء قائم نتيجة تضافر عوامل داخلية زادت التعقيدات تعقيدا، من مثل التمسّك بمرشح بعينه والقول أن لا فكاك عنه حتى لو وصل البلد إلى الإنهيار التام، وهو للمناسبة لم يعد بعيدا. فبعثة صندوق النقد الدولي التي أنهت للتوّ زيارتها الدورية الى لبنان، حذّرت المسؤولين من دنوّ وقوع الإصطدام الكبير مع قرب نفاد ما تبقى من احتياط بالعملات الصعبة في مصرف لبنان، ومع تأخر مجلس النواب والحكومة قصدا وبالتكافل والتضامن في تطبيق الإصلاحات المطلوبة. وأعطت البعثة عن ذلك مثاليّ قانون سرية المصارف الذي أقره المجلس مفخخا ومفرّغا من إصلاحات كان الصندوق قد أصر عليها، والكابيتال كونترول الذي لا يزال في غياب التأجيل والمماطلة رغبة من المنظومة في استمرارها بتحويل أموالها المودعة في المصارف الى الخارج، وهو الإسم الحركي لعمليات تهريب الدولارات على حساب الغالبية العظمى من المودعين.
ولا ريب أن الهدف من تعطيل الإصلاحات نسف الاتفاق مع صندوق النقد. إذ يؤكد أحد الديبلوماسيين الأجانب في مجالسه الخاصة أن وقف الإتفاق مع الصندوق يجتمع عليه فريقا الممانعة والمعارضة، وإن من منطلق مختلف في بعض الأحيان. فالرغبة الجامحة تجمعهما على الفرار من أي عمل إصلاحي سيأتي حكما على حسابهما، على سبيل المثال:
-المكتسبات المحققة بفضل الجيش الجرار في القطاع العام والمطلوب دوليا تشذيبه الى النصف او أقل بقليل، وهو ما ترفضه الممانعة.
-ومعالجة الخسائر الهائلة في النظام المالي من طريق تصفيتها على حساب المودعين بالدرجة الأولى، الأمر الذي يُجمع عليه أركان المنظومة، ممانعة ومعارضة على حد سواء.
رئاسياً، كان لافتا في اليومين الأخيرين وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري الحل الرئاسي في عهدة البطريركية المارونية، معوّلا على سعيها لإحداث توافق مسيحي – ماروني لإنتاج على شاكلة لائحة إسمية تقتصر على 3 مرشحين، تكون القاعدة لبدء حوار ينتهي إلى إنتخاب الرئيس. ولم يُخفِ أنه يعوّل على ما تقوم به بكركي، مستعيدا تجربة إجتماع الأقطاب الموارنة الأربعة قبل سنوات والذي خلص لاحقا إلى تزكية خيار الرئيس العماد ميشال عون. وتاليا، هو يأمل في ان تتكرر هذه التجربة بما يؤدي إلى سيناريو مشابه لكن هذه المرة من خارج الأقطاب الأربعة. فهل بري بذلك يحضّر الأرضية للتخلي عن خيار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، على قاعدة فعلتُ المستطاع ولم أفلح؟
تزيد من هذا الإحتمال التسريبات المنسوبة الى الثنائي الشيعي عن إصطدام خيار فرنجية برفض سعودي، وهو ما يتناقض كليا وتسريبات سابقة عن إيجابية سعودية لمسها بري نفسه وعن موافقة أميركية غير مباشرة على ترئيس فرنجية.
فهل بات رئيس المجلس يعمل على مخرج يتيح له بدء البحث في خيارات رئاسية جديدة توافقية؟ وهل تقدّم بكركي له هذا المخرج من خلال تفعيل مبادرتها بحيث تكون الخلوة الروحية في 5 نيسان منطلقا لتوافق مسيحي – ماروني على لائحة مختصرة يرتكز عليها بري في سعيه المتجدّد لإنتخاب الرئيس؟
الواضح حتى الآن أن بري رمى الكرة في مرمى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بحيث باتت على عاتقه مسؤولية كبرى لإنتاج التوليفة الرئاسية. لكن من يضمن أن تلتزم الطبقة السياسية بما يتفق عليه المسيحيون برعاية البطريركية المارونية؟