أظهرَت الجلسة الأولى لمجلس الوزراء في بداية العهد الجديد انسجاماً بين القوى الأساسية المشاركة في الحكومة، دلّ إلى أنّ قوّة الدفع التي نتَجت من انتخاب الرئيس ميشال عون مستمرّة، ويتوقع أن ينسحب هذا الانسجام إيجاباً على القضايا التي ستتصدّى لها الحكومة بعدما كانت المحاولات السابقة لمعالجتها ضرباً من المستحيل.
بَرزت من خلال ما تقرّر في جلسة مجلس الوزراء الأولى مجموعة إشارات سياسية بالغة في دلالاتها ومعانيها في هذه المرحلة، وتمثّلت بالآتي:
أولاً، الانسجام بين القوى الأساسية في الحكومة، وتحديداً بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، والذي ترجِم بإقرار مجلس الوزراء مراسيمَ تلزيم التنقيب عن النفط التي شكّلت ملفّاً خلافيّاً حادّاً منذ أكثر من ثلاث سنوات، وقد اعتبر البعض أنّ نقاش الوزير علي حسن خليل وملاحظاته في هذا الصدد «كانت لإثراء هذا الإنجاز النفطي وليس لعرقلته».
أمّا الموقف الاعتراضي ـ الانتقادي الذي عبّر عنه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط إزاء الملف النفطي واستتبَعه الوزيران مروان حمادة وأيمن شقير داخل الجلسة، فقاعدتُه السياسية أنه ليس شريكاً مباشراً في هذا الإنجاز، وأن إطلاقه النارَ السياسية على الملف النفطي ربّما يكون لأهداف أخرى، وقد يكون تصرّفه في هذا الصدد مثابة إشارة الى قاعدة العمل السياسي التي سيعتمدها في المرحلة المقبلة، بحيث يستمر في الاعتراض والانتقاد والشكوى الى حين إقرار قانون انتخاب يأخذ بهواجسه ويراعي مصالحَه السياسية، وربّما يكون جنبلاط في هذه الحال قد حقّق غايته، أو بعضاً منها حتى الآن.
وقيل في هذا المجال انّ رئيس الحكومة سعد الحريري اتّصَل بجنبلاط إثر تغريداته «التويترية» التي عبّر فيها عن امتعاضه واعتراضه من الملف النفطي وملمّحاً إلى «صفقات»، وطمأنَه الى انّ المراسيم التي اقرّها مجلس الوزراء في شأن تلزيم التنقيب عن النفط والمناقصات الخاصة بها هي «خطوات إجرائية» لا مفرّ من اتّخاذها لوضعِ الملف النفطي على سكة التلزيم، وأنّ ما يريده (جنبلاط) سيُلبّى لاحقاً في إطار «الشركة الوطنية للنفط» التي ستؤسَس بموجب قانون يقرّه مجلس النواب.
ـ ثانياً، أظهَرت الجلسة حصولَ إمرارات متبادلة بين القوى السياسية وفق مقولة «مرّقلي تمرّقلك» التي عكسَتها القرارت التي اتّخذها مجلس الوزراء خلالها، ما شكّلَ إشارةً الى انّ قاعدة العمل التي ستعتمدها الطبقة السياسية لاحقاً ستكون لعبة تبادُل المصالح، مغلّفةً بعنوان «حكومة الإنجازات»، بما يدغدغ آمالَ الناس ولا يلبّيها بمجملها.
الغائب الاكبر
ولكنّ اللافت انّ مجلس الوزراء لم يأتِ على ذكر قانون الانتخاب الجديد لا من قريب ولا من بعيد، فكان «الغائب الاكبر» عن النقاش، في وقتٍ يدرك الجميع انّ عامل الوقت بدأ يَدهم، ويُمكن ان يفرض إجراءَ الانتخابات على اساس قانون الستين أمراً واقعاً وقانوناً في اعتباره القانونَ النافذ ولا يلغى إلّا بقانون بديل. ولوحظ انّ المجلس ألّفَ بعض اللجان الوزارية لعددٍ من الملفّات والقضايا، ولم تكن بينها لجنة يكلّفها إعدادَ مشروع قانون انتخابي من خلال «كومة» مشاريع القوانين المطروحة.
ويقول بعض السياسيين انّ وزير الداخلية نهاد المشنوق هو الاكثر واقعيةً في المواقف التي أعلنَها ويعلنها كوزير معنيّ بالملف الانتخابي، بحيث انّه أكّد ولا يزال جهوزيةَ الوزارة لإجراء الانتخابات في مواعيدها على اساس القانون النافذ، (أي قانون الستين) أمّا في حال إقرار قانون جديد فلن يكون هناك مفرّ من تمديدٍ ما تقنيّ للمجلس النيابي، لأنّ ما يفرضه مثلُ هذا القانون (سواء كان وفق النظام النسبي او مختلطاً) من تدابير وترتيبات إدارية ولوجستية يجعل هناك استحالة في إمكان إجراء الانتخابات خلال مهلة التسعين يوماً التي تسبق نهايةَ المجلس، وهذه المهلة تبدأ في 15 شباط المقبل.
ولذلك، فإنّ العهد وحكومته وكلّ القوى المنادية بقانون جديد للانتخاب ستكون امام امتحان الصدقية في «وعدها الانتخابي» في الوقت الذي بدأ يسجّل يومياً تراجع في الحماسة هنا وهناك لإقرار قانون الانتخاب العصري، أللهمّ إلّا إذا حصلت «معجزة» من الآن وحتى 15 شباط المقبل، ولكنّ الأداء لا يبشّر حتى الآن بمعجزات، بل يَشي بالاستمرار في مخالفة «إتفاق الطائف» الذي يشكّل قانون الستين الخرقَ الكبير الفاضح له… وهذه حقيقة «الجميع بيعرفوها.. والجميع بيحدفوها»