IMLebanon

حصاد

أزهر وجه بلادي زبالة… صار مزبلة العقود السبعة التي يُقال إننا تمتعنا أثناءها باستقلال ملتبس، لأن من يقرأ تاريخ هذا الممر الزمني يعلم أننا كنا بعيدين عن مطلق استقلال حقيقي، فقد كان هناك دائماً من يُقرر عنا في كل شيء، حتى في اختيار حكامنا، بدءاً من رئاسة الجمهورية وانتهاء بمختار ضيعة بعيدة.

وما سعينا جدّيين لبناء دولة بدءاً من زمن الرئيسين الخوري والصلح حتى يومنا، وظل تاريخنا يسجل المناكفات والمنافسة القذرة والكيد المتبادل داخل عائلات اقطاعية تتوارث المناصب، والانجاز قليل قليل، والسمسرة مزدهرة، حتى وصلنا الى حرب أهلية استمرت طويلاً، خطّط لها خارج بعيد ودفع مصاريفها خارج قريب، وكان الجشع أبشع مشاهد النهايات التي ما زالت تتوالى.

كما أزهر وجه بلادي فقراً وهجرة وخداعاً ودَيناً هائلاً، وإذلالاً للشعب الذي رفض نهم الحكّام أمام كل اغراء مادي ملأ جيوبهم وأصاب الوطن في صميم كبريائه. وكان أن استفاق أبناؤنا على حقيقة أن الأوطان لا تبنى على حساب الكرامة، فما من “ولدنة” ولا “انتقام” في العلاقة الجدية البنّاءة بين الحكّام والشعب، وبينهم وبين دول الخارج.

وغابت نسمة الحرية عن الوطن، لأن من أمسك بقراره من الداخل نَهَبَ موارده، فذبل ثم مات. قتله حكّامه، والجمهورية المذهبية التي ما اختار رأسها يوماً أبناؤها رحلت، وما بقي إلا مشيئة شبانها وشاباتها، الواقفين اليوم عارفين كم أننا بحاجة الى نهضة فكرية شاملة تؤسّس لمسيرة “تطوّر” يشمل حتى الأديان التي غدت وسيلة تفتيت للمجتمع المتماسك الواحد… “تطوّر” هو بروتوكول الوجود منذ البدء لأنه نبض الحياة الأوّل مذ تحوّل جزء من الطاقة المصدر الى “مادة” الوجود بكامله.

لنقفل على عملية فشل لبنان – الدولة المنتهية بمزبلة افترشت وجهه من تموز الماضي وتفاقمت اليوم من دون حلّ، نتيجة حسابات حكّامه الجشعة، غير مبالين باتهامهم بالسمسرة على حساب الوطن. ولنقفل على مسرحية “الأخوّة العربية”، فهي غير ناضجة بعد، مُرتهنة لنفوذ دول كبرى تلعب بمصير انسان الكوكب متى تشاء.

ولبنان الفساد اليوم فريسة صراع مذهبي مبرمج بين دولتين عربية وفارسية، تتصارعان للسيطرة على حصص في بلاد شام كانت مهد حضارة ومعرفة. وها التاريخ يتكرر، وما من رابح، فلا السيطرة مفتاح تطوّر ولا المذهبية، ولا قيود تفرض على الفكر…

والضحية الأولى في مجتمعاتنا الشرقية المريضة: المرأة الممنوعة من مصافحة الشمس سافرة، تماماً كالرجل. لسنا في حكاية ربح وخسارة، فنحن نخطّ سطور تخلّف على سلّم التطوّر البشري.