IMLebanon

هل عانقت رسالة عون مطالب الثوّار؟

 

 

جاءت رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون في الذكرى الثالثة لانتخابه على سدّة الرئاسة الأولى، على قدرٍ كبير من الأهمّية خصوصاً أنّها تزامنت مع مرحلةٍ حسّاسة يمرّ بها لبنان بعد سقوط الحكومة الثانية في عهده جرّاء الحراك اللبناني الذي أفضى إلى ثورة شعبية عارمة لم تنتهِ فصولها بعد.

 

الرئيس عون لم يُحدّد موعداً للاستشارات النيابيّة لتسمية الرئيس المُكلّف بتشكيل حكومة جديدة، فاكتفى بالحديث عن حكومة كفاءات تُرضي الناس من دون أن يجزم عدم تضمّنها وجوهاً سياسيّة كما طالبت الثورة اللبنانية في تشكيل حكومة مستقلّة تماماً من أخصائيين لاستعادة الثقة.

 

طرح معيار الكفاءة للحكومة الجديدة في كلمة عون، تأتي كشبه اعترافٍ على إدانة الخيارات السابقة التي لجأ إليها فخامته مع كلّ الطبقة الحاكمة، لكن ما يستدعي التوقّف عنده هو وضعه الكرة كاملةً في ملعب الكتل النيابية في محاولة تنصّل مُسبقة مما يُمكن أن تَؤول إليه الأمور في عملية التأليف، ما يُفهم عدم جزم مبدأ “التكنوقراط” غير المنتمين للأحزاب السياسية في الحكومة القادمة.

 

أحد المطالب الأساسية للثورة التي انطلقت في السابع عشر من الشهر المنصرم، سقطت من الرسالة الرئاسية وهو إعطاء الحكومة الجديدة صلاحيات تشريعيّة كي تتمكّن من البتّ بمجموع الأهداف المنوطة بها.

 

إنَّ أبرز ما يمكن لحظه من الناحية السياسية العامّة هو الانقلاب الصّارخ على خطابه الذي خاض من خلاله العديد من المواجهات المحليّة والدوليّة ألا وهو الميثاقيّة اللبنانيّة عبر اعترافه أنّ حكومة الوفاق الوطني والاجماع الوزاري لم تُنتج سوى الفشل والشلل مُتلاقياً بذلك مع أشدّ خصومه.

 

 

وعد رئيس الجمهورية بالعمل على قوانين هي في الأصل خارج صلاحيّاته الدستورية، ما يضع وعده في مهبّ الكلام الإيجابي من دون إقرانه بآليات عمليّة، مع العلم أنّ تطبيق ما ذكر من قوانين في السنوات الثلاث القادمة يبدو غير واقعيّ وذلك في معاينة ما حصل في السنوات التي مرّت من عهده.

 

المطالبة بأولوية تطبيق القوانين، عنوان إيجابي بادر إلى رفعه رئيس الجمهورية، ما يُشكّل تناقضاً تامّاً مع أفعال فريقه السياسي الذي رفض تطبيق قانون الكهرباء وتحديداً في النقاط المتعلّقة بتعيين الهيئة الناظمة وتشكيل مجلس إدارة لمؤسسة الكهرباء، فهل ما طُرح سيطال هذا القطاع أم أنّه سيخضع للاستثناءات؟

 

لا شكّ أنَّ الحلقة الأضعف في رسالة نصف الولاية كانت في تعداد الإنجازات التي تحقّقت حيثُ أنّ غالبية التعيينات التي جرت لم تلتزم بآلية شفّافة لاختيار الأكفأ، كما أنَّ طرح التّصويت على ثلاث موازنات كإنجازٍ لم يكن موفّقاً كون المجلس الدستوري طعن بإثنتين منها، بينما الثالثة مطعونٌ بمصداقيتها من اللبنانيين، مع فقدان الموازنات الثلاث صفتها الدستوريّة لعدم وجود قطع حساب لها وسط ارتفاع مجموع النفقات فيها بشكلٍ غير مسبوق. ومن النقاط التي تُعاكس سياق الأحداث هي تحذير رئيس الجمهورية للبنانيين من سيناريو “شارع مقابل شارع”، خصوصاً أنّه لم يتّخذ قراراً بامتصاص النقمة الشعبية أو محاولة الوقوف على مطالب الناس إلّا في اليوم الثّامن من التظاهرات، حين غدت المناشدات غير ناجعة وباتَت لعبة الشارع هي الحكم ومصدر القوّة.

 

الرئيس عون الذي تطرّق إلى إلغاء الطائفية في موقفٍ لافت، لم يأتِ على ذكر تشكيل الهيئة الوطنية المنصوص عنها في المادّة 95من الدّستور اللبناني، خصوصاً أنّ طرحه هذا يُناقض مطلبه السابق في تفسير هذه المادّة، ما قد يفتح الباب على مزيدٍ من اللعب على الوتر الطائفي.

 

إنَّ الرسالة الرئاسية في معظم فحواها قد ترقى إلى ملامسة بعض مطالب الثوّار لكنّها حتماً لم تستطع أن تكون اليقين الذي يُجهض شكّ التنفيذ، خصوصاً أنَّ وضع اللوم على الآخرين غلب على الكلمة، والاكتفاء بالورقة الاصلاحية التي تحمل العديد من المغالطات الرقمية وتفتقد للمصداقية من قبل المواطنين والخبراء الاقتصاديين لم يكن خياراً جائزاً، بينما كان المطلوب طرح رؤيا واضحة المعالم للخروج من الأزمة.