Site icon IMLebanon

هل أرجأ «حزب الله» ردّه على «المُسيَّرتين» أم ألغاه؟

 

تزامناً مع فقدان الجهة التي يمكنها ان تحدد ماهية الطائرتين المسيّرتين اللتين سقطتا في الضاحية والهدف منهما، توسّعت السيناريوهات المتداولة وصولاً الى اعتبارهما قنبلتين صوتيتين إذا ما تمّ ربطهما بحدثَي الغارة على دمشق والمفاوضات الإيرانية – الفرنسية على هامش قمة الدول السبع. وعدا ذلك، باتَ رد «حزب الله» أو عدم ردّه سيّان. فما هي العوامل التي تقود الى هذه القراءة؟

 

بعد أسبوع على حادثة سقوط طائرتَي الاستطلاع المسيّرتين في الضاحية الجنوبية، يجد الخبراء والدبلوماسيون مجالاً أكبر ومُتّسعاً من الوقت لتحليل الحادث وقراءته في توقيته وشكله وترجيح أهدافه والنتائج المترتبة عليها. فوَضع الحادثة في سياق الأحداث الجارية في سوريا والمنطقة والعالم يُمَكِّن من فَهم الكثير من المعطيات التي كانت غامضة حتى الأمس القريب، وتقدير حجمها تمهيداً لبناء المواقف الأكثر دقة في ما هو متوقّع في المستقبل القريب والبعيد.

 

ففي اقتناع الباحثين عن الحقائق المفقودة والغائبة عن أذهان المسؤولين اللبنانيين والدبلوماسيين، انه من الضروري البحث عن أسباب ما حصل خارج مجريات الساحة اللبنانية. فما هو ثابت حتى اللحظة انّ اسرار العملية ما زالت محصورة بين طرفي المواجهة إسرائيل و«حزب الله» بالإنابة عن قطبَي الصراع الأميركي – الإيراني، وعَداهما يبني السيناريوهات الوهمية المختلفة وربما الخيالية في جوانب منها.

 

وعلى هذه القاعدة، يعتقد بعض الباحثين انّ الوصول الى قراءة منطقية وواقعية لما حصل يدعو الى الابتعاد عن الساحة اللبنانية لفهم ما جرى. وعليه، تم الربط بين الحادث ومجموعة محطات عسكرية وسياسية ودبلوماسية خارجية، أبرزها على سبيل المثال لا الحصر:

 

– سقوط الطائرتين بعد ساعات قليلة على الغارة الإسرائيلية على دمشق التي أودت بحياة خبيرين كبيرين في شؤون إدارة الطائرات المسيّرة وتكنولوجيا استخدامها لدى «حزب الله»، لم يكن صدفة ولا أمراً عفوياً. فقد قصدت إسرائيل الربط بين الحدثين لتسليط الضوء على ما تسمّيه «مَنع «حزب الله» من امتلاك شبكة الصواريخ الذكية».

 

ولذلك رسمت في بياناتها، المَشكوك في صُدقيتها، بين هدفي العمليتين ووضَعتهما في خانة تدمير التجهيزات التي تُمَكّن الحزب من تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة الذكيّة.

 

– التوقيت الذي اعتمدته الحكومة الإسرائيلية في العمليتين، بالتزامن مع قمة مجموعة الدول السبع الكبرى المنعقدة في مدينة بياريتس الفرنسية، يوحي بالكثير. فمن يستطيع أن ينكر نتائجهما المباشرة على قدرات الحزب البشرية والتقنية، لا يستطيع أن ينكر أنهما شكّلتا رسالة مباشرة الى هذه القمة، وربما بهدف التأثير سلباً على الحدث الكبير الذي ميّزهما. فلا يمكن تَجاهل وقوعهما بفارق ساعات قليلة عن الاعلان عن الترتيبات الخاصة باللقاء الذي عقد بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف بتغطية مباشرة من بعض نظرائه الستة، وربما بتفويض أميركي مباشر.

 

فالقلق الإسرائيلي ممّا جرى هناك مُبَرَّر في جانب كبير منه، ولا يرضيه مجرد الحوار بين ايران وأيّ من أطراف هذه المجموعة، فكيف يمكن ان تكون ردة فعله إذا أدّت المبادرة الفرنسية الى حوار أميركي – إيراني بدأ يَتردّد صداه في مختلف جوانب الأرض؟

 

وفي مقابل هذا الربط بين أحداث دمشق والضاحية لا يمكن تجاهل الربط الذي أجراه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بينهما ايضاً. فهو لم يُخف انّ الرد على عملية دمشق سيكون في لبنان، فجعل الساحتين السورية واللبنانية مسرحاً واحداً. ولذلك، قدّم للاعتداءين بتوصيف موحّد ووضعهما في سلة واحدة – رغم انّ ما تسبّبت به حادثة دمشق من ألم تجاوزَ حادثة الضاحية الجنوبية.

 

وعلى رغم إشارته الى انه لن يسمح لمثل هذه الطائرات بالتحليق فوق لبنان، فإنّ حركة الطائرات المسيّرة والإستطلاع الإسرائيلية لم تغب عن سماء لبنان، حتى بلغت طلعاتها بعلبك وعكار وجبل لبنان وضواحي بيروت.

 

وهو ما عُدّ تكراراً للاعتداء وتمادياً في ارتكابه، ولكنه لم يرد عليها ولم يتعامل معها. ومن هذه الخلفيات جاء التفسير للخطوة التي قام بها الجيش اللبناني من خلال التصدي للطائرات المسيّرة فوق العديسة. فاعتبرت، بالإضافة الى استباق ايّ رَد يُمكن ان يقوم به «حزب الله»، تنفيذاً فورياً لأحد القرارات السرية لاجتماع مجلس الدفاع الأعلى بالتصدّي لأي خرق جوّي إسرائيلي للحدود، وترجمة لقرار سابق اتّخذه قائد الجيش العماد جوزف عون وأكّد عليه المجلس أخيراً.

 

على هذه القواعد، تتقدّم السيناريوهات التي وصفت سقوط الطائرتين باعتبارهما قنبلتين صَوتيتين لا يستأهلان الرَدّ الذي ينوي «حزب الله» القيام به. فإذا كان لمنع تكرار استخدام هذه الطائرات فوق لبنان، فإنّ الجيش الشرعي سبقه الى هذه المهمة.

 

وهو أمر مُجْدٍ لمجرد انّ من قام به يقوم بدور مُعترف به. فهو قوة شرعية لا ميليشياوية، وله تفسير مُغاير أقوى وأفعل لدى المجتمع الدولي والدول المشاركة في قوات «اليونيفيل»، والتي جَدّد مجلس الأمن مهمتها أمس الاول بقواعد الإشتباك عينها ومن دون المَس بولايتها.

 

عند هذه الحدود يختم الباحثون عرضهم ويطرحون سلسلة من الأسئلة، ومنها: هل انّ «حزب الله» ألغى ردّه على العمليتين واكتفى بالوقوف خلف الجيش في عملية العديسة؟ وهي وقفة ترجمت على انها استظلال للشرعية اللبنانية في مرحلة خطيرة ودقيقة للغاية لا يمتلك فيها الحزب هامشاً واسعاً للمناورة. أم انّ الوقت لم يَحن لِما يريده في رَدّه في شكله وتوقيته فأرجَأه؟. فإذا كان التصدي للطائرات المسيّرة، فلا لزوم لذلك بعد اليوم. فقد سبقه الجيش بالمهمة عينها، ويمكن ان يستمر فيها بصفته القوة الشرعية المُعترف بها دولياً.