ـــــ ١ ـــــ
بدلاً من الربيع العربي/ أو الثورات العربية/ تستحق السنوات الأخيرة أن يسمها «التمرد على المافياوات».. وهو تمرد يبدأ من اكتشاف أن الحزب/ أو السلطة/ أو الطائفة/ أو التنظيم/ أو الجماعة قد تحوّلت مع السنين إلى «مافيا».. اكتشاف دفعت الناس أثماناً غالية من أجله فهذه الكيانات الديناصورية كلها عاشت وترعرعت في ظل ولع جماهيري. كانت الجماهير وقودها، واستهلكت من أجل ذلك رايات لا تحصى من العروبة إلى الإسلام مروراً بالوهج الطائفي.
ولهذا ينقلب الصراع في منتصف التمرد بين الجماهير وذاتها/ طرف يمعن في إخلاصه للمافيا/ وطرف يسير خلف نزقه من اجل عالم بلا مافيا… هكذا حلم المصريون بدولة ديموقراطية من دون الماراثون السلطوي بين العسكر والإخوان، فأكلت الجماهير الخائفة الأرض التي حررتها «الأقلية المتمردة»… وتكرر الأمر في بيروت/ بخصائص لبنانية، لكنها ومن الجولة الأولى تحولت إلى «جماهير ضد جماهير».. بعدما مارست السلطة وصيتها المجرّبة: وصفت المتمردين عليها بالشغب، حذفت النقطة من على حرف العين، لتعزله عن الشعب، الذي استثمرت فيه ليكون بين التواطؤ الممنهج مع حكم المافياوات الطائفية وبين السخط والغضب غير العقلاني… لكي يحلم الجميع بعد الانتفاضات بالاستقرار…
… والمافياوات تحتكر الاستقرار فهم «آلهة الاحتكار».
ـــــ 2 ـــــ
مسدسات المافيا سر الوجود، وفي مرحلتيها السياسية والإجرامية. السلاح أولاً لتغطية أهدافها النبيلة (حماية صقلية… في منشأها الإيطالي) أو لحماية مصالحها في الجريمة المنظمة…
هنا يتحول ببطء في المافياوات العربية، النبل إلى جريمة منظمة، ووراثة البلاد من مستعمرها، لم يؤد إلى أن تكون دولاً وطنية، ولا إلى تنمية ثروات وطنية، ولا إلى تفعيل هويات وطنية، كل ذلك تحول إلى استثمار لدى طبقات المافيا التي تتغير وجوهها، لكن انغلاقها على ذاتها يجعلها تدور في الدوائر نفسها ذات الصبغة العائلية المعتمدة على الوراثة.. فالحزب يتماهى مع العائلة/ والطائفة في الحزب/ والدولة في مؤسسات السلاح… وهكذا نزوع مافياوي يرفع رايات «جماعة الحماية» في مواجهة الجميع ليمارس نوعاً من «التفاخر» مستخدماً «العدوانية» و «التبجح»… وتأمل تاريخنا الحديث، فستجد كل مافيا تدور حول زعيم/ أب روحي.. يكون إلهاً تدور حوله المصائر، وتتم السيطرة بالابتزاز (باستخدام القوة أو المزايدة او القدرة على توجيه الاتهامات بالخيانة أو العمالة للأعداء) لتستقر «الثروة» ومعها السلطة في يد «العصبية..»…
هذا هو تاريخنا، دولاً (مصر وغيرها…) أو ما يشبه ذلك (لبنان/ وفلسطين..)
ـــــ 3 ـــــ
في الخطر تتكاتف المافياوات عبر «اتفاق الصمت..».
وهذا ما ستلقاه كل محاولة «تمرد..»، لأن الموضوع ليس «إسقاط نظام» ولكن «إلغاء» الأرض التي تنمو عليها مصالح ومكتسبات وتصورات، أصبحت مع السنين «وعداً مقدساً..»..
وهذا ما يجعل القوى الهشة التي تواجه المافياوات تدرك عبر الخبرات، أن قوتها ليست في الأعداد الكبيرة، أو في تآكل الطبقة السياسية المتحكمة في المافياوات (مؤسسات حكم/ وطوائف)… ولكن في تعقّد الأوضاع التي تماهت مع هذا الوجود المافياوي، وهذا ما يجعل الرهان ينصب على «الثقوب» وتوسيعها.. أو اكتساب أرض من الديناصورات الجريحة.
وربما يكون مشهد التظاهر اللاطائفي في 22 آب البيروتي، ليس الا تعبيراً عن قوى جديدة/ لا سيطرة عليها من قبل المافياوات الطائفية/ بمعنى أنها «أقلية» خارج الميل العام للانضواء في «النظام المافياوي».
في مصر مثلاً عادت هذه الأقليات إلى مكامنها، تنتظر، وتراقب، بعدما حمّلتها «الجماهير» مسؤولية الجحيم الذي فتحته مطالبات الحرية والعدالة.
22 آب مختلفة فقد بدأت بالزبالة أي بطلب يخص العيش ومستوى الحياة وهذا حدث في بلد عاش أكثر من نصف حداثته، ملعباً أممياً، لكنه يريد اليوم أن يكون فضاء حياة.
رهانات لم تغلق بعد، ولم تثمر سوى تمرير فكرة أن «المافياوات» ليست قدراً.