IMLebanon

هل تغيّر «سوليدير» جلدها؟

 

سياسة   على الغلاف   

حصلت الكثير من التحوّلات في «سوليدير» خلال السنوات الأخيرة. بنية المساهمين تغيّرت. الفساد انتشر في الشركة. نتائجها المالية تقرّبها من الإفلاس. هذه الوقائع فتحت نقاشاً بين المساهمين في ما يمكن القيام به. هل يجب القيام بخطوات في اتجاه تغيير مجلس إدارة الشركة وإدارتها التنفيذية في الجمعية العمومية المقبلة المتوقع انعقادها في 27 تموز؟ هل يجب الوصول إلى التصفية الذاتية، فيحصل أصحاب الحقوق على حصّة ما؟ هل يمكن القيام بأي أمر آخر في ظل عدم الثقة بهذه الإدارة وبما تقوم به من صفقات مشبوهة؟

 

التخلّي عن الأسهم

قبل أكثر من سنة، تخلّى بعض كبار المساهمين عن أسهم «سوليدير». اثنان من بين كبار حملة الأسهم السعوديين باعوا أسهمهم. باع بن محفوض مليوني سهم، وحذا حذوه ناصر الرشيد. اشترى هذه الأسهم «سوسييتيه جنرال بنك». تبيّن أن هذا المصرف بات يحمل مباشرة 10% من الأسهم، وأن لديه «مونة» على مساهمين آخرين تجعله يتحكّم بحصّة تصل إلى 17%، وبات أكبر مساهم في الشركة. في السابق، كان «بنك ميد» أكبر المساهمين. كان يملك حصّة مباشرة تصل إلى 10% من الأسهم، وكانت لديه سيطرة على حصص أخرى يحملها مستثمرون لبنانيون، أفراداً وشركات، ومستثمرون عرب أبرزهم أفراد سعوديون، إلا أنه بعد انتقال 43% من أسهم مجموعة «بنك ميد» إلى رجل الأعمال علاء الخواجة، تقلّصت قدرة عائلة الحريري على السيطرة عبر «بنك ميد». وفي ذلك الوقت، كانت عائلة البستاني، الممثلة في مجلس إدارة الشركة هي أكبر حامل أسهم فردي للأسهم، إلا أنه تبيّن أنها باعت قسماً كبيراً من حصّتها وخفضتها إلى 3%، وأنها تعرض بيع هذه الحصّة على مشترين محتملين في السوق، لكن لا أحد مهتم.

هناك الكثير من المساهمين الذين لا يرون اليوم في أسهم «سوليدير» أي فرصة استثمارية. فالحصص التي يشتريها «سوسييتيه جنرال بنك» المملوك من أنطون الصحناوي لا تتعلق بإمكانات الشركة «الواعدة»، بل بإمكانية بلوغ مرحلة التصفية الذاتية حيث تُوزَّع العقارات على حاملي الأسهم. يدل على النتائج المالية للشركة بديونها التي بلغت 860 مليون دولار وخسائرها المتراكمة والأنباء المتداولة عن الفساد فيها، انخفاض سعر سهمها إلى أدنى حدود. كان معدل سعر السهم 23 دولاراً في 2009، وانخفض دراماتيكياً إلى 14 دولاراً في 2011 ثم إلى 11 دولاراً في 2015 وبلغ معدله في أيار 2018، 8.4 دولارات.

 

هيمنة سياسية

سيطرة عائلة الحريري على الشركة، لم يكن مصدرها حجم الحصّة التي تحملها، بل كانت سيطرة سياسية تعود إلى إنشاء «سوليدير» في 1994. مشروع إعادة إعمار وسط بيروت عبر شركة عقارية تأسست باسم «سوليدير»، كان مشروعاً سلطوياً من المافيا السياسية التي سيطرت على القرار في فترة ما بعد الحرب الأهلية. يومذاك، رأت هذه القوى أن لديها فرصة للسيطرة على أكثر من 4 مليارات متر مربع من الأمتار القابلة للبناء وطرد أصحاب الحقوق مقابل مبالغ بخسة، وإخلاء من يشغلها بمبالغ زهيدة… حصل هذا الأمر برعاية كل مافيات السياسة التي خلّفتها الحرب الأهلية، وهي قبضت ثمن موافقتها على إنشاء الشركة بعقود تشييد ودراسات أو بإخلاءات أو بغيره، مقابل تسليم السيطرة السياسية على الشركة لرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري.

لا تعتزم هذه القوى السياسية تغيير جلدها برغم كل ما يثار عن سوء الإدارة والصفقات والفساد في الشركة. فرئيس مجلس الإدارة ناصر الشمّاع، يحاول اليوم تجميع كل التفويضات الممكنة من القوى السياسية للبقاء في منصبه. هو أعطاها سابقاً، ويجب عليها أن تمدّه اليوم بالسلطة ليعطيها مستقبلاً. لا يزال يسعى للحصول على موافقة علاء الخواجة لتفويضه التصرف بحصّة «بنك ميد»، وهو نال تفويضاً لتمثيل الأسهم المحمولة من شركة «إنترا» بقرار سياسي من عين التينة، علماً بأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان هو الجهة التي تشرف على التصرف بحصة «إنترا» من أسهم «سوليدير»، وهو يحاول منع أنطون الصحناوي من القيام بأي خطوات مضادّة بالتلميح إلى عدم شرعية حصّته، وهو يفرض على بلدية بيروت أن تصوّت لمصلحته حصراً من خلال دعوة رئيس البلدية جمال عيتاني إلى تمثيل حصّة البلدية البالغة 3.8 ملايين سهم، علماً بأن السلطات التنفيذية في البلدية هي التي تشرف على أملاك البلدية وموجوداتها، أي المحافظ زياد شبيب. هذا الأخير وجّه كتاباً إلى «سوليدير» يبلغها فيه أن لا شرعية لأي طرف يحاول تمثيل بلدية بيروت من دون إذنه وتوجيهاته، لا بل ينقل عن شبيب أن التصويت يجب أن يأتي لمصلحة المساهمين وبينهم البلدية والدولة اللبنانية وليس لمصلحة أي طرف ثانٍ، أي بالنظر إلى الوضع المالي المتدهور في الشركة. الأنكى من ذلك، أن بلدية بيروت، وبالسيطرة السياسية أيضاً، لم تطالب بالكثير من أنصبة الأرباح الموزّعة، ما يجعل الشركة تضع اليد عليها. بحسب مصادر مطلعة، هناك أكثر من 10 ملايين دولار مكتومة عن البلدية، وربما الشركة استولت عليها بسبب عدم المطالبة بها من البلدية.

 

يسعى الشماع للحصول على موافقة علاء الخواجة لتفويضه التصرف بحصّة «بنك ميد»

 

طوال السنوات الـ24 من عمر هذه الشركة التي جعلت وسط بيروت منطقة فارغة من السكان ومسلوبة الذاكرة، كان «بنك ميد» يتحكّم بتوزيع أرباحها. تقول مصادر من الشركة، إنه عندما كان المصرف يشعر بحاجة إلى السيولة، كان يفرض على الشركة أن توزّع أرباحاً. لم تكن هناك أي اعتبارات لباقي المساهمين. السبب يكمن في اعتكاف صغار المساهمين عن حضور الجمعيات العمومية وترك القرار بيد «بنك ميد» ومن لف لفيفه. في غالبية الجمعيات العمومية السابقة، كان القرار يتّخذ من قبل 25% من الأسهم. هذه الحصّة من الأسهم كانت تحصل على 100% من المقاعد في مجلس الإدارة! معادلة غريبة. أما مجلس الإدارة المكوّن من 12 عضواً، فهو لا يحمل سوى عدد بسيط من الأسهم، لا بل يحمل تفويضات من سياسيين وشركات خاضعة للسيطرة السياسية ومن الأوقاف الدينية. ليس في مجلس الإدارة أي ممثل عن صغار المساهمين الذين يعدّون الأكثرية ويزيد عددهم على 30 ألف مساهم. إذا تكتّل هؤلاء وحضروا الجلسة، فإن لديهم القدرة على التغيير. كبار المساهمين هم أصلاً من طينة الإدارة الحالية للشركة، ومرتبطون بمصالح مع رعاة الشركة من السياسيين.

 

من «الداخون» إلى نافذة منزله

كان يفترض أن تكون مصلحة المساهمين هي الأولوية. هم أصحاب الحقوق الذين فرض عليهم استبدال أسهم بملكياتهم، أو المستثمرون المخدوعون الذين اشتروا الأسهم من السوق. هؤلاء كانوا يراقبون بحسرة النتائج المالية السنوية للشركة. كان توزيع الأرباح خاضعاً لأولويات مختلفة. أما «الإدارة» فتحوّلت إلى إمبراطورية برئاسة ناصر الشماع. هو أيضاً لم يوفّر جهداً في إدارة عمليات متفرقة لحسابه وحساب أنسبائه وأعضاء مجلس الإدارة. من آخر «أفعاله» المأثورة، أنه طرد مطعم «السلطان إبراهيم» من وادي أبو جميل بالقرب من منزله بسبب رائحة السمك المقلي والمشوي التي كانت تخرج من «الداخون» إلى نافذة منزله. منزله الذي لا يمكث فيه أكثر من بضعة أسابيع في السنة. عرض عليهم إيجاراً زهيداً من أملاك الشركة في منطقة تقع بين أسواق بيروت ومدخل «البيال»، رغم الأوضاع المالية «الزفت» للشركة. يقال إنه قدّم لهم تعويضاً بقيمة 10 ملايين دولار عبارة عن نفقات ديكور على حساب المساهمين في «سوليدير». تماماً كما فعل حين أنجز صفقة مع نسيبه نمير قرطاس. أكثر من 6 ملايين دولار اقتطعها الشمّاع من حقوق المساهمين لحساب نسيبه. يقال إن هناك العديد من الصفقات المماثلة مع أعضاء مجلس إدارة الشركة.

 

من ملف : سوليدير: الإفلاس أو التصفية؟