لماذا اتّخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفاً سلبياً إلى هذا الحد من إيران، وهل تعتبر الإدارة أن إيران لم تنفذ الإتفاق النووي، ففرضت عقوبات عليها وعلى «حزب الله»؟
منذ أكثر من عام، بدأت، إيران، بالتذمّر من أن المصارف الغربية وكذلك المستثمرين لا يذهبون إليها ولا ينشطون فيها، وذلك أثناء عملية رفع العقوبات التدريجي عنها، والذي كان يحصل في مجال تنفيذ الإتفاق النووي، وكان الإيرانيون يتذمرون من أن واشنطن لا تساعدهم في هذا الأمر، ولا تزيل عقوبات أخرى.
وتفيد مصادر ديبلوماسية غربية بارزة، بأن إيران في هذه الأثناء وحتى الآن، تلعب لعبة «الماء الثقيل» الذي تصنعه والذي يجب، بحسب الإتفاق، ألا يتخطى معدلاً معيناً. فتقوم برفع المعدل لدى التئام اللجنة المشتركة لمراقبة تنفيذ الإتفاق النووي، ثم ما تلبث أن تخفضه. و«الماء الثقيل» يصنع من النفايات ويمكن أن تصنع منه قنبلة غير تقليدية أي من البلوتونيوم وليس من اليورانيوم، ويجب بحسب الإتفاق تحويله إلى ماء خفيف لا يمكن إستخدامه بالبلوتونيوم، بل لأغراض مدنية وطبية. فترفع ورقة الماء الثقيل في وجه إحجام الشركات والمصارف عن أن تكون إيران مقصداً لها.
بالنسبة إلى الأوروبيين، هذه المخالفة ليست مخالفة كبيرة لدرجة توصل إلى خطورة أن تمتلك إيران قنبلة. إنها مخالفة، لكنها لا تستحق أن يفرط الأوروبيون الإتفاق بسببها. أما ترامب فوجد أن المخالفات المسجلة لدى اللجنة، معطوفة على الصواريخ التي تمتلكها إيران، وهي تقنية مكملة للقنبلة، لأنها تحتاجها لإطلاقها، بالإضافة إلى سلوكها في المنطقة، والذي «لم يتحسن» و«لم يصبح إيجابياً»، لا بل إزداد سلبيةً إلى درجة لم تعد تصغي معه إيران إلى مطالب الغرب نهائياً. حتى أن قافلة مساعدات إنسانية أوروبية كانت ستتراجع عن الدخول إلى سوريا بسبب موقف إيران الرافض وغير الإيجابي، إلى أن سمحت بدخولها في اللحظة الأخيرة.
وفي مفاوضات فيينا حول سوريا، دعيت إيران، فحضرت لكنها عرقلت المباحثات، التي لم تخرج بنتيجة.
المخالفات ليست كافية لفرط الإتفاق، لكن ترامب أراد الإستفادة منها، في حين أن سلفه باراك اوباما لم يرد أن يتراجع عن الإتفاق بسببها. لكن بعد اجتماعات اللجنة يعود الإيرانيون إلى خفض كمية «الماء الثقيل»، تماماً كما يفعل البازار وتجار السجاد المشهورة بهما إيران. فالتجار الكبار أيام الشاه قاموا بانقلاب ضده، وكان ذلك أحد الأسباب لسقوطه. هذا للدلالة على معرفتهم الدقيقة بالمساومات السياسية كما التجارية. في حين أن الحكم الحالي في إيران أسقط قوتهم.
الأوروبيون ضد ترامب في مسألة فرط الإتفاق النووي، لأنهم يعتبرون أنه السبيل الوحيد الذي يضع ضوابط على برنامج إيران النووي ومراقبته. وفي ظل عدم وجود هذه الضوابط كيف تتم مراقبته؟. فالصواريخ ودور إيران في المنطقة إنعكسا إيجاباً على تعزيز سلطتها ونفوذها. وبعد استرداد أموالها نتيجة الإتفاق النووي عملت إيران على تقوية ميليشياتها وتعزيز دورها.
الأوروبيون راهنوا على أنه بعد الإتفاق النووي ستصبح إيران جزءاً من المجتمع الدولي وستبدي إيجابية سياسية في ملفات المنطقة، خلافاً لموقف الخليج الذي كان خائفاً من الإتفاق، وأظهرت التطورات أن خوفها كان في محله، فإزداد دورها ودور ميليشياتها.
إزاء ذلك، يريد ترامب الضغط على إيران لتقديم تنازلات في قضايا المنطقة وإيران ترد عليه بعنف، أنها لا تريد أن تتفاوض على أي أمر آخر، وأن الإتفاق لا علاقة له بالمنطقة، إيران وجدت نفسها بعد الإتفاق منتصرة وتزداد هيمنتها، وليس أمامها أي سبب للتفاوض على قضايا المنطقة.
الرهان على تغيير السلوك لم يُجْدِ. لكن، وفقاً للمصادر، الغرب، والأوروبيون تحديداً، يعتبرون أنه على الأقل تم تحييد موضوع النووي، وهذه مسألة إستراتيجية كبرى وأخطر من أي شيء آخر. لأنه إذا امتلكت إيران القنبلة النووية فسيحصل سباق في المنطقة حول إمتلاك مثل هذه القنبلة، الأمر الذي يطيح نظام إتفاقية منع الإنتشار النووي، ما يؤدي بدوره إلى سباق قد يدمّر العالم.
وهذا موضوع يحتل أولوية دولية، على أن يصار لاحقاً إلى معالجة سلوك إيران في المنطقة ودورها «السلبي» في ملفاتها.
والأولوية هذه، بحسب المصادر، تنطلق من خطورة إمتلاك إيران القنبلة على الدول الكبرى، لا سيما الأوروبية التي قد تطالها القنبلة. وأي تراجع عن الإتفاق النووي سيؤدي إلى مضاعفة الخطر الإيراني وإلى تحضيرات دولية كبيرة ورصد أموال من أصل الأموال التي تصرف على شعوب الدول لدرء مخاطر القنبلة الإيرانية. وتمسُّك الأوروبيين بالإتفاق النووي، لا يعني موافقتهم على سلوك إيران في المنطقة إنما لدرء الخطر الأساسي، لا سيما وأن الإتفاق النووي يمنع إيران مدة ١٠ سنوات حتى ٢٠٢٥ من القيام ببرنامج نووي، إلا إذا قامت بجهود استثنائية، وسريعة.
بعد السنين العشر تصبح الضوابط على إيران أقل، وهناك خطر عودتها إلى برنامجها، لكن في حينه تقوم الدول بما تراه مناسباً، وبالتالي الآن تبدأ المعركة الأميركية ـ الدولية ـ العربية على نفوذ إيران.. والعقوبات عليها وعلى «حزب الله» وحدها لا تكفي.