هل سيوافق مجلس الوزراء في جلسته اليوم على اقتراح وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بإلغاء عبارة «النأي بالنفس» التي قد توحي بأنّ الحكومة غير آبهة بما يحصل، واستبدالها بأخرى مثل «عدم التدخّل في شؤون أي دولة أخرى، عربية كانت أو غير عربية» لا سيما بعد الموقف الأخير للبنان في اجتماع جامعة الدول العربية وما تلاه من اجتماعات بسبب اللغط الذي حصل حول مسألة إدانة إيران (و«حزب الله» ضمناً) لتدخّلها في شؤون المملكة كونها اعترضت على إعدامها للشيخ السعودي الشيعي المعارض نمر باقر النمر، فيخرج لبنان من التأويلات والاجتهادات جرّاء هذه السياسة التي قرّر اتباعها؟
ففي الوقت الذي تحدّثت فيه بعض وسائل الاعلام المحلية عن تصعيد المملكة العربية السعودية موقفها تجاه لبنان بعد عبارة «النأي بالنفس» التي اعتمدها في الاجتماعات العربية، وقد وصلت الأمور الى حدّ جعل لبنان، زوراً وبهتاناً، «فارسياً» يقف «ضد» الدول العربية، علماً أنّه كرّر مرات عدّة إدانته الاعتداء الذي طال سفارة وقنصلية المملكة السعودية في إيران، أوضحت أوساط سياسية مطلعة أنّ ثمّة نوعاً من التضخيم خصوصاً أنّ قرارات المملكة غالباً ما تُعلنها ولا تقوم بتسريب المواقف من هنا وهناك لأنّها لا تصل الى أي نتيجة.
فما هي حقيقة الأمور وهل فعلاً اهتزّت علاقة لبنان بالمملكة، وهل أثّرت سلباً على مشاريع اللبنانيين فيها؟
وفد لبناني إقتصادي يقوم بمجمل أعماله ومشاريعه في السعودية زار وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في قصر بسترس أمس وطلب منه انتزاع موقف واضح من مجلس الوزراء الذي يجتمع اليوم الثلاثاء حول هذه المسألة، أوضح أنّ بعض المضايقات طالت بعض اللبنانيين الذين يعتمدون في مشاريعهم على وكلاء سعوديين، خصوصاً أنّ مواطنين سعوديين عبّروا عن سخطهم من موقف لبنان على مواقع التواصل الإجتماعي، طالبين منه الوقوف الى جانب المملكة التي طالما وقفت الى جانبه خلال محن عدّة تعرّض لها في السابق. وهذا الأمر لم يوقف أعمال اللبنانيين في المملكة، بطبيعة الحال، على ما أكّد مصدر في الوفد غير أنّه أثّر عليها بطريقة أو بأخرى، ما استوجب توضيح موقف لبنان من حكومته مباشرة وبشكل نهائي وقاطع، بهدف أن تعود الأمور الى مجاريها.
وفي هذا السياق، ذكرت أوساط ديبلوماسية أنّ آراء المواطنين السعوديين لا تُمثّل رأي المملكة ولا موقفها الرسمي رغم تأثيرها على بعض الأعمال المتعلّقة باللبنانيين المقيمين فيها. كما أنّ علاقة لبنان مع السعودية لم تتغيّر سوى في أذهان البعض، ولكن هذا لا يمنع من أن توضح الحكومة موقفها النهائي من كلّ أزمات المنطقة، وليس فقط من مسألة دون أخرى. مع العلم أنّه مع إعادة تفعيل العمل الحكومي، تقرّر عدم مقاربة المواضيع الخلافية، وبالطبع سياسة «النأي بالنفس» تدخل ضمنها.
ويتطلّب تغيير موقف الحكومة أو تعديله، على ما أكّدت الأوساط نفسها، تغيير البيان الوزاري وهذا لا يتغيّر سوى مع تغيير الحكومة. لهذا فمن الأفضل التوافق بين أعضائها على أن يتخذ لبنان من اليوم وصاعداً، في حال تعرّض لمواقف مماثلة لتلك التي اعترضته في الاجتماعات العربية الأخيرة، موقفاً ليس «الحياد» أو «النأي بالنفس»، بل «عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لأي دولة كانت» التزاماً منه بميثاق الجامعة العربية وبالمواثيق الدولية، كما بالتوافق الحكومي (في حال تقرّر ذلك)، ما يجعله «يُخلّص» نفسه من أي مطبّ قد يفاجئه خلال انعقاد أي اجتماع أو مؤتمر عربي ودولي.
أمّا السعودية التي تخشى من التقارب الغربي – الإيراني، ومن تأثيره على صعود نفوذ إيران في دول المنطقة، فلا تودّ رؤية لبنان يبعد عن «التضامن العربي» لا سيما إذا ما كان في وجه إيران، وذلك من دون أن تأخذ بالإعتبار خصوصية لبنان كبلد نموذجي في المنطقة للتعايش الإسلامي – المسيحي، ولا يمكنه بالتالي معاداة شريحة كبيرة من اللبنانيين فيه مؤيّدة لإيران خارجياً ولحزب الله داخلياً.
علماً أنّ ترشيح رئيس «تيّار المستقبل» النائب سعد الحريري، رئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية يجعله أيضاً يدخل في الخط السوري – الإيراني الذي يؤيّده فرنجية، والحريري لم يقم بمثل هذه الخطوة أو المبادرة من ذهنه، على ما شدّدت الأوساط ذاتها، بل بالاتفاق مع المملكة السعودية. فما الذي يجعلها إذاً توافق على فرنجية كرئيس للجمهورية مع كلّ ما يمثّله من خط سياسي «معادٍ» لخطّها، ولا تتفهّم موقف لبنان بالنأي بالنفس عن خلافاتها مع إيران أو «حزب الله» في لبنان؟!
فهذا التناقض في الموقف السعودي لا يُمكن تفسيره سوى أنّ المملكة تعمل للتقرّب من إيران، غير أنّها فوجئت بموقف هذه الأخيرة القوي والشديد اللهجة الذي أعلنته فور إعدامها للشيخ النمر، ولم تكن تتوقّعه، فلجأت من جهة لتدين إيران في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ولتحصل على «تضامن عربي» يُظهر جميع الدول العربية معادية لها، لكنّها لم تنجح، ما جعلها تُفرمل تسوية الملف الرئاسي، والادّعاء بأّنها وافقت على وصول فرنجية الى قصر بعبدا، في حال توافق المسيحيون على ذلك.