IMLebanon

هل اقتربت ساعة الحقيقة؟

 

لا تزال الحركة السياسية تدور في فلك الانتخابات من جهة، وفلك إنجاح مؤتمرات الدعم من جهة أخرى… الأولى لإنقاذ ما تبقى من فكر ديمقراطي وممارسة واجبات مدنية، والأخرى لتعويم الاقتصاد الغارق في الديون والمُنهَك بالفساد والمحسوبيات. وفي كلتا الحالتين، هي فرصة نادرة في زمن الأزمات والحروب المحيطة بالوطن الصغير… فالانتخابات هي لحظة الحقيقة والمحاسبة التي فشل المجتمع المدني في السابق في إيصال صرخته أمام الطبقة السياسية التي تتحمّل المسؤولية الكاملة تجاه الأزمات الحياتية الملحّة والمتتالية، أولها الظلمة التي يغرق بها لبنان وليس آخرها النفايات التي لوّثت الماء والهواء، وتحوّلت إلى منجم ذهب يستنزف مقدرات الدولة، فلا محاسبة للسلطة التنفيذية ولا سبيل للوصول إلى السلطة التشريعية، ولم يبق من وسيلة سوى تسجيل الرفض في صناديق الاقتراع للتمرّد على هذا الواقع، وعلى تمادي الطبقة السياسية في هدر حقوق المواطن والإخلال بوعود الإصلاح، مع يقينها أنها مُحصّنة وبعيدة عن متناول غضب الشارع ومحاسبة الناخب وصاحب الحق!

أما النفق الاقتصادي المظلم، فهو النتيجة الحتمية لسلسلة من السياسات الإقليمية غير المحسوبة، والتي أبعدت لبنان عن أصدقائه ومحيطه الطبيعي، وخلقت توترات داخلية وخارجية ووضعت علاقة لبنان مع محيطه العربي على المحك. لم تعد المناورات الداخلية قادرة على التغطية على التقصير الفادح في الأداء الرسمي في الملفات الحياتية، ولم تعد البالونات الحرارية التي تُلقى بين الحين والآخر أمام المجتمع الدولي قادرة على تضليل الرأي العام حول عجز الدولة عن معالجة ملفاتها الملحة كإقرار الموازنة حتى تستطيع المضي قدماً في مؤتمرات الدعم، والتي باتت خشبة الخلاص الأخيرة لانتشال الوطن الصغير من وحول الركود الاقتصادي والعجز المالي المستشري.

إنها ساعة الامتحان… هل تنجح الدولة في تجاوز خلافاتها وتوحيد الرؤية لتتوجه إلى طلب الدعم الاقتصادي الدولي بشكل موحّد يليق بوطن ذات سيادة واستقلال، يضع مسؤولوه المصلحة الوطنية فوق التزاماتهم بالأجندات الإقليمية الشائكة، أم أن الفرصة الأخيرة سوف تسقط أمام الحسابات الخاصة ويبقى لبنان رهينة الصراعات الإقليمية على أرضه وداخل مؤسساته؟

إنها ساعة الحقيقة… هل يُحاسِب المواطن المسؤولين عن التقصير المتمادي في بناء الدولة الموعودة؟ وهل ستحمل صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة رسائل الرفض لسياسات الأمر الواقع من صفقات وفساد أطاحت بكل الفرص المتاحة لبناء دولة المؤسسات، وإخراج لبنان من ظلمات الحروب والتخلف والرجعية إلى مصاف دولة التطوّر حيث حقوق المواطن وواجبات الدولة مصانة؟ أم أن المواطن لا يزال رهينة التقليدية السياسية والتبعية العمياء لزعامة الطائفة، بغض النظر عن الأحلام المبعثرة والفرص الضائعة، مع كل المسامحة لما سلف وما سوف يخلف من تقصير في تلبية أدنى حقوق المواطن في العيش الكريم، لأن الخوف من التغيير هو الأقوى، ولأن الزعيم لم يتعوّد أن يسمع الحقيقة، ولأن الحقيقة اليوم باتت تدفع نحو التمرّد، وهو خطوة متقدمة نحو الدولة الفاعلة في الوطن النهائي الذي نحلم به، وهو لا يزال بعيد المنال، عقبات كثيرة تحول بيننا وبينه من القيود، والخوف من الخروج من دائرة الأعراف البالية التي استسهلنا الخضوع لها، وأنستنا طعم الحرية وأفقدتنا القدرة على الحلم.