منذ لحظة انتهاء التصويت على قانون الضرائب الجديد في الجلسة التشريعية الأخيرة، سلك هذا القانون طريقه الى المطابخ القانونية والدستورية في المعارضة سعياً الى قراءة مفصّلة لمواده للتثبّت من نفاذ المجلس والحكومة من شباك قرار المجلس الدستوري وتقدير حجم التزامهما بمقتضيات قرار الإبطال. فكيف جاءت الحصيلة الدستورية؟ وهل يمكن توقُّعُ طعنٍ جديدٍ ومَن سيستهدف؟
يمكن المعارضة التي قادها رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل وأعضاء كتلة نواب الحزب وزملاؤهم الخمسة الآخرون الذين تقدّموا بالطعن مطلع أيلول الماضي بالقانون الرقم 45/ 2017 المتضمّن تعديل وإحداث بعض المواد القانونية الضريبية ونُشر في 21 آب الماضي أن تتباهى بما أنجزته لمجرد التقدّم بالطعن امام المجلس الدستوري الذي تلقّف المهمة بإجماع افتقده المجلس في مناسبات سابقة، وقضى بإبطاله نهائياً لإقراره في جلسة تشريعية لم تُراعَ فيها أصول التصويت بالمناداة على النواب بالأسماء واحداً واحداً، ولصدوره في غياب الموازنة وخارجها، وخالف مبدأ الشمول الذي نصّت عليه المادة 83 من الدستور ولأنه من المفروض أن يأتي في إطار الموازنة السنوية وفقاً للقواعد التي نصّ عليها الدستور ولفقدان المساواة بين المواطنين ما شكّل خروجاً على مقدّمة الدستور.
لكل هذه الأسباب أعاد المجلس النيابي التصويت على القانون الجديد بعدما أعادت الحكومة صوغَه بما يتلاءم وملاحظات قرار المجلس الدستوري الذي لا نقاشَ فيه ولا يخضع لأيّ شكل من أشكال المراجعة أمام أيِّ طرف آخر، وهو ما سمح للمجلس والحكومة بتصحيحِ جزءٍ من الأخطاء المرتكبة في الشكل والأساس والمضمون ففتح بابَ المناقشة مجدّداً حول مدى تطابقه ومقتضيات القرارالدستوري.
عند هذه الحدود تنتظر المراجعُ القضائية والدستورية نشرَ القانون الجديد في الجريدة الرسمية لتقول كلمتها الفصل فيه تزامناً مع قراءة أوّلية أجرتها المراجعُ الدستورية لدى المعارضة بحثاً عن الشوائب في القانون الجديد.
وقبل الدخول في تحديد الشوائب المتوافرة تجدر الإشارة الى أنّ الضغوط التي مارستها المعارضة لتصويب التصويت، أثمرت التزاماً كاملاً في الجلسة النيابية بما يقول به الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب وسط حرص عبّر عنه رئيس المجلس نبيه بري بإصراره على المناداة على النواب وهو ما سمح بتوضيح كثير ممّا التبس في قرار الدستوري، وخصوصاً لدى معظم النواب والسياسيين الذين تجاهلوا وما زالوا الى اليوم القراءة الدقيقة لمضمون قرار المجلس الدستوري.
وهنا سُجّل لوزير المال التوضيح الأبرز لما قال به القرار عندما كشف في الجلسة النيابية عن أنّ سلّة الضرائب الجديدة ليست مخصّصة لكلفة سلسلة الرتب والرواتب بمقدار ما هي لتصحيح وضع الموازنة العامة وتخفيض العجز المقدّر في الموازنة، بما سيفيض ممّا هو مقدّر له عند جبايتها على حاجة السلسلة في سنتها الأولى والتي ارتفعت في الوقت عينه من نحو 1230 مليار ليرة الى نحو 1480 مليار ليرة تقريباً، ما سيسمح بفائض مالي في الموازنة إذا ما صدقت التقديرات لموارد السلّة الجديدة من الضرائب وتقترب من 400 مليار.
وفي الوقت الذي لن تتنبّه الحكومة الى توضيح وزير المال حول الهدف من السلّة الضريبية الجديدة الذي استدرجته اليه مواقف المعارضة زاد في الطين بلة عندما كشف أنّ ضريبة الـ 820 مليون دولار التي فُرضت على المصارف المستفيدة من الهندسة المالية والتي قيل إنها للسلسلة قد تمّت جبايتُها وهي في صندوق الخزينة العامة للدولة منذ زمن إقرارها.
وهو ما أتاح للمجلس الدستوري تصويب قراره وتوضيحه عندما أصرّ على أنه لا يحقّ لا للحكومة ولا للمجلس النيابي الذي يتمتّع بحقّ التشريع ضمن ضوابط الموازنة العامة تخصيص ضريبة معيّنة لهدف معيّن.
فحصيلة الضرائب ومواردها تدخل في الموازنة من ضمن حساباتها المالية العامة ولا يمكن تخصيصُها لغرض معيّن من خارج هذه الموازنة وهو ما التبس على كثير من المتعاطين بالملف الذين لم يفقهوا ما قصده المجلس الدستوري، وبلغوا مرحلة اتّهامه بإهانة المجلس النيابي ومصادرة حقه في التشريع فكان اتّهاماً لا يستند الى أيّ معطى قانوني أو دستوري ثابت.
وعليه تقول القراءة الأوّلية لدستوريّي المعارضة إنها اكتشفت أولى النقاط الأساسية التي يمكن أن تقود الى الطعن بالقانون الجديد عندما ضمّت اليه في نهاية بنوده البند الخاص بـ«الإجازة للحكومة جباية الضرائب موقّتاً الى حين إقرار الموازنة».
علماً أنّ العاملين على هذا الخط لم يكتشفوا بعد في الدستور مادةً تُجيز للحكومة هذا الحقَّ الدستوري وهو ما لا يخالفه كثرٌ من أهل الحكم والحكومة، فهم يدركون أنّ الإشارة الى هذا البند لم تكن ضرورية أبداً، فقد سبق لرئيس المجلس أن رفض طرحَ مشروع القانون الذي أعدّته الحكومة لتجميد العمل بالسلسلة ما لم تُقَرّ السلّة الضريبية كاملةً لعلمه الثابت والأكيد أنه مخالف للدستور ولكل القوانين المعمول بها.
وهو يتفهّم موقف الحكومة من خلال قانونها الذي أُحيل الى اللجان النيابية لينام في أدراجها وهي التي سعت من خلاله الى تهديد المعارضة بحقوق المستفيدين من السلسلة من مدنيّين وعسكريّين ولجم الساعين الى أيِّ طعن جديد طالما أنّ وزارة المال لم تنجز قطعَ الحساب المطلوب قبل البتّ بأيِّ قانون جديد للموازنة سواءٌ لسنة 2017 أو لسنة 2018 على حدٍّ سواء.
وبناءً على ما تقدّم فليس مفاجأة أن تلجأ المعارضة الى الطعن في موضوع تأجيل البتّ بقطع الحساب وإمرار الموازنة العامة قبل إجرائه.
فهي اكتشفت حتى اللحظة أكثر من سبع مخالفات دستورية جسيمة في هذا الإطار وهي تدرك سلفاً أنّ المجلس والحكومة يدركان هذه الحقيقة وهما مصمّمان على المواجهة بقرار سياسي يتجاوز ما يقول به الدستور من خلال التعهّد بإنجاز الموازنة في أسرع وقت ممكن لتبرير تنفيذ السلّة الضريبية، وإن نجحا في إنجاز قطع الحساب قبل البتّ بموازنة 2018 يكون القرار السياسي قد أنقذهما من الوقوع مرةً أخرى في شباك المجلس الدستوري، فهل ينجحان؟