كلمة السيد حسن نصرالله الأخيرة كانت إقليمية المدى والتوجه، وأسبابها ومطالبها وتقديراتها المرتبطة بالرد على اغتيال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني والقوى المرتبطة بقيادته وبتوجهاته ومن بينها في لبنان، حزب الله وملحقاته، وقد كانت تلك الكلمة، استكمالا للهبّة الإيرانية التي أعقبت إغتيال سليماني أخذ منها الحزب على عاتقه مهام المحاسبة والإنتقام من خلال ما تبقى من خطوات في هذا الخط الملتهب الذي بدأ بعملية الإغتيال، وسينتهي في إطار مفتوح على الغارب وعلى كل الإحتمالات المتوقعة وصولا إلى غاية محددة: طرد الولايات المتحدة من منطقة الشرق الاوسط(غرب آسيا).
لبنان وقضاياه ومصائبه الإقتصادية واهتزاز أوضاعه في جميع الصعد والميادين، لم يكن له وجود في تلك الكلمة، كانما كان وطنا وارضا وشعبا ومؤسسات، يقع في بقعة أخرى من الأرض، وشعبه يعيش أياما ناصعة البياض، تقوده دولة طائلة وقادرة بقيادة حزب الله، لم يعد لها من همّ تحمله على أكتافها وفوق متاريسها وقواها الضاربة، إلاّ الوجود الأميركي الغاطس حتى أذنيه في نصب الشراك والمكائد للحزب ولكل الملحقات الإيرانية في المنطقة.
نتفهم الحدّة والإشتداد الذي قوبلت به عملية الإغتيال، فالقضية بعد تنفيذ تلك العملية بالأسلوب المخابراتي المتفجر الذي تمت فيه، يدل على وجود خفايا وخبايا في العمق الأميركي، قد تكون مستهدفة للحزب وملحقاته على مدى وجوده المتغلغل في المنطقة، فضلا عن تغلغله في صميم الوطن اللبناني بكل أصوله وتفرّعاته ومكامن السلطة فيه. هي انتفاضة التحسب لما قد يكون مقبلا من عصائب الإحتمالات والتوقعات، خاصة وأن الحزب قد أثبت بالقول والفعل أن انتماءاته الأساسية هي تلك المرتبطة بالقيادة الإيرانية وبولاية الفقيه، وسماحة السيد لطالما طاولت تصريحاته هذا الإرتباط المتين حيث أعلن عن ذلك الإرتباط بكل مكامن الحياة والإستمرار لديه (أكلا وشربا وسلاحا وتنظيما) بالموقع الإيراني، حتى إذا ما نظرنا إلى أوضاع هذا البلد الحالية و أوضاعه من زاوية سيطرة الحزب على كل معالم الحياة لدينا، وحتى إذا ما تبين لنا أن هذه السلطة الممسكة بكل الأحوال والأفعال والمقدرات يكاد ألاّ يكون لها همٌّ واهتمامٌ بتفاصيل الحياة اللبنانية وبكل معاناة مستفحلة باتت تطاول اللبنانيين في مواجعهم اليومية التي وصلت إلى حد الفقر والجوع والتشرد، حتى أولئك الذين كان لهم حظٌّ بجمع بعض المال لآخرتهم ولأولادهم في المصارف اللبنانية العتيدة، بات همّهم الملح في هذه الأيام السوداء، قبض دولارات من جنى العمر المذكور والإبقاء عليها سجينة في خزائن المصارف التي لطالما نعمت بأرباح تعد بالمليارات، اليوم تجور بأكثر من وجه وأكثر من تصرف بحق مواطنين طاولتهم الحاجة الملحة على حياتهم وحياة أولادهم وهم عاجزون عن التصرف في وجه دولة ومسؤولين، لا هم لهم إلاّ الإبقاء على فرص الإمساك بمقاليد الأمور السلطوية والمالية وفرض التسلط والنهب واقتسام الغنائم على حساب الناس وكل ما تبقى من وسائل العيش الكريم لديهم.
ونجيء إلى وسائل الإنقاذ والخلاص مما نحن فيه وعليه من أحوال مظلمة بتوقعاتها القائمة التي دفعت باللبنانيين إلى هذه الصحوة (ولو المتأخرة) والتي تترجم في هذه الايام بالإنتفاضة-الثورة التي ما زلنا نعيشها ونقتات من آلامها وتوقعاتها القاتمة. ما زال السلطويون المتشبثون بوسائل القمع والنهب والإستغلال بما يجنونه من مال حرام، يحصرون خلاص الأوضاع من أحوالها الصعبة بمطالب إقليمية على نحو ما جاء في كلمة سماحة السيد الأخيرة، ونسأل: إن الإنقاذ يحتاج إلى أموال ومساعدات واهتمامات قصوى بأحوال الخراب اللبناني القائم وذلك غير ممكن إلاّ بعون عربي معلوم المواقع والمصادر، من سيؤمن لنا ولدولتنا الكسيحة سوى بعض من البلدان العربية الشقيقة وقليل من البلدان الأوروبية الصديقة؟
هل تؤمنه لنا سوريا أم العراق أم اليمن أم السودان أم فنزولا أم إيران ( بوضعها القائم)، هل تؤمنه لنا طبيعة العلاقات المهتزة والمتأزمة التي نقيمها ومستمرون في إقامتها على هذا النحو العدائي مع بلدان الخليج العربي وبطليعته السعودية، وهل نهيء أشقاءنا العرب القادرين على العون والمساعدة بكل هذه الأطنان من الإنتقادات والشتائم والمواقف المضادة لمصالح تلك البلدان، بل المضادة لمصالح لبنان نفسه؟
هذه الكلمة الموجهة إلى الخارج والبعيدة كل البعد عن التوجه الأكيد والمفيد للداخل اللبناني ولحاجاته الملحة، عساها تعكس اتجاهات رياحها إلى عملية إنقاذ لبنان من مهاوي السقوط المريع التي تطاوله بكل عنف وشدّه.