في منتصف شهر تموز الماضي دعا غبطة البطريرك بشارة الراعي إلى «تحرير الشرعيّة» والنّداء الّذي أطلقه البطريرك ناشد تحت عنوانه رئيس الجمهوريّة إنقاذ البلاد، يومها قلنا أنّ استخدام مصطلح «التحرير» يدلّ بالدليل القاطع على وجود إحتلال، بالطبع لم يعر رئيس الجمهوريّة أذناً صاغية لكلام البطريرك وجاء تفجير مرفأ بيروت لاحقاً في 4 آب ليأخذ الواقع اللبناني نحو منحىً تدميريّ مروّع، وهو على دمويته ووقعه المروّع على اللبنانيين أكّد لهم أنّ حزب الله يحتل البلاد بطولها وعرضها، وسلوك رئاسة الجمهورية ما بعد التفجير ونأيها بنفسها عن الشعب اللبناني الذي قتل أولاده ودمّرت منازله وأصابة لعنات نيترات الأمونيوم، فقبع في قصره عازفاً عن تفقّد شعبه المصاب أكّدت للبنانيين أنّ الشرعيّة والرئاسة حالهما من حال بعض!
هل في مستطاع مسلوب الإرادة القدرة على التحرّك بحريّة ليُحرّر لبنان من فريق لبناني يحتلّه بقوّة سلاحه ويختطفه لمصلحة أجندة غريبة عنه وعن هويته وعن ثقافته وتاريخه ومنطقته ولغته وحضارته، نشكّ في ذلك؟ وعليه فلنتساءل ما الذي قد يقوله الليلة أمين عام حزب الله للبنانيين الليلة؟ بأيّ عين سيستمر في الكذب عليهم وهو يجرّهم إلى ظلمات الأعماق في الغرق، هل يخبّىء لنا مفاجأة إصراره على مواصلة احتلال الشرعيّة في لبنان واختطافها بترسانة صاروخيّة كما كان يختطف الطّائرات والرّهائن في ثمانينات الحرب العراقية ـ الإيرانيّة من القرن الماضي! عندما دعا بطريرك لبنان إلى تحرير الشرعيّة ألم يكن يعني بها المؤسسات التي تُحكم عبرها البلاد وتتمثّل بها الدّولة؟ ثمّ أليست هذه هي الرئاسات الثلاث مجتمعة، أليْست ثلاثتها واقعة في قبضة وتحت سيطرة حزب الله، ومرشد الجمهورية اللبنانيّة سينطق الليلة وهم على خطاه سائرون؟!
صحيح أنّ الأزمة اللبنانيّة لا تزال تتعمّق وتزداد حلكة حتى صارت عصيّة على إيجاد مخارج لها، وصحيح أنّ الوقت المتبقي والمتاح من الزمن الدولي للعبث اللبناني المستمرّ بات أقل من القليل، لأنّ «ما حدا فاضيلنا» وقد جرّب الرئيس الفرنسي وعاد من لبنان بـ»خفيّ حُنيْن» لأنّ الذين يلون أمور اللبنانيين «مافيا» ثالب مدرّبة على تضييع القرار اللبناني بنفس المهارة التي تنهب فيها ثروات الشعب، وهذه الطبقة السياسيّة لن تغادر الحكم إلا انهيار البلد التامّ، والحقّ يقال أنّه لا حلّ ولا أمل للبنان إلا بالإنهيار!
لن يرتدع حزب الله عمّا يقوم به والأسباب لا يجب أن يختلف عليها اثنان من اللبنانيّين، لأنّ الحزب الّذي أرسل آلاف الشباب الشيعة اللبنانيّين ليموتوا وتراق دماؤهم دفاعاً عن نظام بائس قاتلٍ مجرم، الحزب الذي ضحّى بهذه الأرواح والأعمار لا يعبث أبداً هو ماضٍ في تنفيذ أجندة إيران ومرشدها وحرسها الثوري، ومن دون أدنى شكّ طالما نحن تحت سيطرة حزب الله سيبقى البلد ركيكاً، ولا يوجد البتّة خطوات إنقاذ إقتصادي، والكلام عن جهود واجتماعات وقرارات كلّ هذا مجرّد عبث ولهو ومجرّد عناوين بلهاء، لا تملك هذه الدولة دراسة واحدة واضحة وجديّة عن واقع الأزمة الاقتصادية الكبرى ولا كيف وصلنا إليها ولا عن كيفيّة الخروج منها، البلد حتى في مشاريعه أو قضاياه الكبرى، بلد «إرتجالي» إلى جانب كونه عبثيّ هزليّ لأنّه وفي عزّ الأزمات اللبنانيّة الكبرى يجد بعض الفرقاء فيه وقتاً لوصلات الرّدح السياسي وكيْل التهم كما فعلت بالأمس نائب رئيس التيار الوطني الحرّ مي خريش رداً على النائب المستقيل نديم الجميّل، وتوقّعوا أن يتبارى اليوم النواب والوزراء العونيون في التهجم عليه لمجرّد أنّه طالب رئيس الجمهورية بالاستقالة لأنّ سنّه وصحّته لا تسمح له بالقيام بمهماته الرئاسية كما يجب، هذه وجهة نظر نائب، يجب تبقى في إطارها السياسي ولكن في بلاد تغرق في بحرٍ لُجيّ ومن فوقها ظلمات ثلاث يجد فريق سياسي وقتاً لترف الشجار والنقار فيما حزب الله يمعن في ربط لبنان بالمقطورة الإيرانيّة الذاهبة إلى الهاوية، بإذن الله.