حاصباني: الإصلاحات المطروحة شكلية وتفتح أبواباً للفساد والمحاصصة
في غمرة استفحال تراجع التغذية بالتيار الكهربائي، وعودة الاحتجاجات بفعل ارتفاع عدد ساعات التقنين، يحلّ ملفّ الكهرباء طبقاً دسماً على طاولة جلسة مجلس الوزراء غداً الثلثاء في القصر الجمهوري في قصر بعبدا، من باب تعيين أعضاء مجلس ادارة كهرباء لبنان، بعدما كان المجلس استمع الاسبوع الماضي إلى شرح من وزير الطاقة ريمون غجر حول أسباب انقطاع الكهرباء وتأخر وصول بواخر الفيول.
وعلمت “نداء الوطن” أنّ غجر شكّل لجنة من إداريين وعمداء كليات من 4 جامعات لبنانية، وبعدما قابلت عدداً كبيراً من المرشّحين تخطّى مئتي مرشّح قدّموا سيرتهم الذاتية، غربلت اللجنة أسماء المرشّحين وسيرهم الذاتية، وبقي نحو 52 مرشحاً، وأجرت مقابلات معهم ووضعت علامات لكلّ شخص منهم.
ثم أجرى وزير الطاقة مُقارنة بين الأسماء المختارة وتقييماً وِفق معايير مُحدّدة هي: مقتضيات الوفاق الوطني، الإختصاص، عدم التضارب الوظيفي، التواجد في لبنان، ورفع 18 اسماً من 6 طوائف يتألف منها مجلس الادارة الى مجلس الوزراء ليتمّ الاختيار منهم.
وفيما رحّب البعض بالاستفاقة الكهربائية ولو متأخرة، معوّلين على أن تُشكّل الجلسة غداً خطوة إصلاحية فعلية في قطاع الكهرباء، أدرج البعض الآخر ما يحصل في اطار المناورة للإيحاء للمجتمع المحلي والدولي بأن إصلاحات حقيقية تحصل.
حاصباني: تعميق فجوة الثقة
وشدّد نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني على أنّ الإصلاحات مدخل أساسي للبدء بحلّ الأزمة وفتح مجالات الإستثمار والدعم الدولي واستعادة الثقة داخلياً، والإصلاحات هي حاجة أساسية لبنانية، قبل أن تكون مطلوبة من صندوق النقد الدولي، وكنّا دائماً وما زلنا نُطالب بها”.
وقال لـ”نداء الوطن”: “خطر عدم إجراء الإصلاحات كبير جداً على المالية العامة والإقتصاد، لكنّ خطر إجرائها بطريقة مُلتوية أكبر بكثير، لأنّه يُعمّق فجوة الثقة التي تقع فيها السلطة السياسية في لبنان. وإن كانت العناوين فضفاضة، نرى أنّ المضامين تضمر فتح ابواب جديدة للمُحاصصة وتسييس القرار الإداري، والتحكّم بمفاصل القرار، بينما همّ الناس في تأمين لقمة العيش”.
ورأى حاصباني أنّ “المطروح هذا الأسبوع على طاولة مجلس الوزراء يبدو بالشكل وكأنّه خطوات إصلاحية، لكن مضمونه يُخفي مخاطر كبيرة باسم الإصلاح، وهو بمثابة وجه طلاء لحائط مُتعفّن. فتعيين مجلس إدارة لكهرباء لبنان أمر لطالما طالبنا وطالب مجلس النواب والمجتمع الدولي به، وهو يحصل اليوم بعد قيام وزير الطاقة باختيار أسماء، بناء على مقاربة أعدّها هو، وأشرف على إدارتها لطرحها امام الحكومة، وإقرارها بالتراضي مع الفرقاء السياسيين، من دون تطبيق قانون آلية التعيينات الذي أقره مجلس النواب والذي تحصل محاولات لنسفه. وبصرف النظر عن الأسماء المطروحة ومدى كفاءتها، فإن التعيين يحصل بالتفاف على القانون الذي يُشرك عدة جهات في المساهمة مع الوزير بالإختيار والتدقيق في الأسماء، إضافة الى آليات شفافة تنطبق بالتساوي على كل الوزارات والمرشّحين حافظة الدور الدستوري لطرح الأسماء على مجلس الوزراء للوزير”. وسأل: “هل سيرضى اللبنانيون والمجتمع الدولي بالمقاربة التي تلتفّ على مبادئ الشفافية وتستبق تطبيق القوانين وتدخل بالمحاصصة، مستعملة الضغط الدولي القائم لتقاسم المواقع في التعيينات بدلاً من إجرائها بطريقة صحيحة”؟
وأضاف: “أما الموضوع الآخر المطروح فهو تعديل قانون الكهرباء الذي أُقرّ في العام 2002 ولم يُطبّق. والتعديلات تأتي تحت عنوان إصلاحي، لكنّها بجزئها الأكبر تُقلّص صلاحيات الهيئة الناظمة وتضعها عند الوزير، ليعود التحكّم بالقرار بكليته الى السلطة السياسية بدلاً من مشاركتها مع هيئة مستقلّة. فالهدف من وجود هيئة مستقلة هو وجود عدّة جهات في سلسلة القرار تُضفي المصداقية والشفافية على الإجراءات ورسم السياسات، بعيداً من الاستفراد والتسييس. تتمّ محاولة تقليص دور الهيئة الناظمة كشرط مُسبق لتعيينها. واعترضنا على هذا التوجّه في مجلس الوزراء السابق وقدّمنا ملاحظاتنا خطيّاً، لكن في الجلسة الأخيرة للجنة الكهرباء في 25 تشرين الأول 2019 بعد استقالتنا من الحكومة والتي لم نُشارك فيها، وافقت اللجنة على مسودة مشروع القانون مع بعض الملاحظات التي أدرجت انتقائياً (كما رأتها وزارة الطاقة مناسبة) وها هو مشروع القانون المُعدّل يُطرح على طاولة مجلس الوزراء اليوم”.
واعتبر حاصباني أنّ “ما نراه اليوم، هو حكومة أتت بعد الثورة على أساس تلبية مطالبها، تناقش مشروعاً من الحكومة التي أسقطتها الثورة وهي على وشك ان تتبّناه. وسأل: “ما الفرق اذاً بين حكومة قبل الثورة وبعدها”؟ وإذ ذكّر بأنّ الحكومة كانت لمّحت بلسان نائبة رئيسها، الى ان الدعم للبنان لن يأتي بالرغم من الإصلاحات التي ستقوم بها، لأنّ السبب سياسي”، نبّه “من يعلم ومن يجهل التفاصيل، الى ان الإصلاحات الشكلية المخربة في مضمونها، المبنية على تقاسم السلطة والمغانم والفاتحة لأبواب فساد جديدة، حكماً لن تأتي بالثقة للحكومة والسلطة السياسية التي وراءها، ولو ظهّرتها على أنها إصلاحات، ولن تأتي بالدعم، واذا أتت به في ظلّ هذه الممارسات الملتوية، فإن لبنان سينزلق في أزمات متكررة لن يخرج منها أحد سالماً”.