Site icon IMLebanon

“حزب الله” يعلن أسس كونفدراليّته

 

مفهوم الحضارة واحد أحد، يستند إلى الحياة لأنّ كلّ ما يدعو أو مَن يدعو إلى الموت لا يمتّ إلى الحضارة بِصِلَةٍ. فما أتحفنا به رئيس المجلس التنفيذي لـ»حزب الله» السيّد هاشم صفيّ الدين عن مفهومه الخاصّ للحضارة هو بحدّ ذاته نقد لما تفضّل به سماحته. وذلك بكلّ بساطة لأنّ ما نريده لا يرتبط لا بشرق ولا بغرب بل يرتبط بمفهوم العيش الذي نؤمن به وهو مفهوم الحياة.

 

لا احد يريد ان يتمثَّل بالغرب وبثقافة الغرب الماركنتيليّة، أو بنماذج الغرب في الحياة التي تتناقض مع القيم التي نؤمن بها. كما أنّنا لا نريد أن يتمّ تشبيهنا بثقافة بعض الشرق، أو بالتحديد ثقافة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران التي يؤمن بعقيدتها صفيّ الدين. لا نرفض قناعاته الإيمانيّة لذاته، كما لا نقبل أن يرفض أحد ما نؤمن به لذواتنا. ونرفض أن يتمّ فرض قناعات لا نؤمن بها علينا تحت حجج واهية. وذلك لأنّنا نرفض أن نفرض قناعاتنا على غيرنا.

 

ومن أهمّ ما جاء باعتراف صفيّ الدين قوله: «لدينا ثقافتنا الخاصّة وتاريخنا وهويّتنا». وخطورة هذا الكلام تأتي بإعلان صفيّ الدين رفض الثقافة والتاريخ والهويّة اللبنانيّة. ولم يعد هذا الكلام يقال همساً من قبل «حزب الله» بل صار للملأ. وهذا ما يفضي إلى استنتاج وحيد لا شريك فيه. إمّا «حزب الله» يريد لبنان كلّه على مقاسه، وإمّا أنّه يريد حصّته الإنفصاليّة من الدّولة اللبنانيّة. فهل هذا يعني أنّ «حزب الله» يعدّ لطرح كونفدراليّ – إنفصاليّ لا فدرالي – اتّحادي ليعيش قناعته وثقافته وهويّته؟

 

وما هو أبعد بكثير في كلامه هو اعترافه بأصوله التي لا تمتّ إلى لبنان الأصل بجهة بقوله: «أصل وجودنا هو انتماؤنا الصادق لهذه الولاية بجهادنا وتضحياتنا رغم ما كان يمر به بلدنا». عمليّاً في هذا الكلام انسلاخ علني عن الكيانيّة اللبنانيّة وإعلان الانتماء الصريح الخروج من الانتماء العربي الذي تمّ إعلانه في صلب الدّستور اللبناني. فهل هذا ردّ على ما ورد في قمّة جدّة حول لبنان لا سيّما حول تطبيق اتّفاق الطائف، وأحكام قرارات مجلس الأمن من أجل أن تمارس الحكومة اللبنانيّة سيادتها الكاملة فلا يكون هناك أسلحة إلّا بموافقة الحكومة اللبنانيّة ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها؟

 

والإعلان الأهمّ الذي أوكل إلى السيّد صفيّ الدين تلاوته هو: «بعد أربعين عاماً نقول إن هذا الوطن لا يمكن أن يكون له هوية إلا من صلب هويتنا». وهنا بيت القصيد. ضرب الكيانيّة اللبنانيّة بهدف تغيير الهوية اللبنانيّة. وليس أيّ هويّة، بل تلك التي بدأ سماحته بالإشارة إليها، أي الهويّة الحضاريّة. وهذا إعلان صريح ومباشر وخطير. من هنا ضرورة التصدّي تبدأ من خلال تحصين لبنان السيادة والحريّة والاستقلال والدّولة والقانون، والأهمّ المساواة والعدالة.

 

لذلك كلّه، ضرورة التأكيد على أنّ رئاسة الجمهوريّة هي الحصن المتبقي اليوم لتثبيت الهويّة الكيانيّة الحضاريّة اللبنانيّة. وما لم يقتنع المستقلون والنواب الجدد بضرورة أن يكون الرئيس العتيد رئيساً سياديّاً، من خارج محور إيران هذا يعني عمليّاً سقوط آخر قلاع الهويّة اللبنانيّة، ونجاح مشروع «حزب الله» الأيديولوجي، لينتقل بعدها إلى فرض ما يؤمن به على لبنان الشعب والدّولة لتصبح المقاومة هي كل الشعب والدولة.

 

من هنا بالذات، يجب العمل على إقرار اللامركزيّة التي أقرّها اتّفاق الطائف وتمّ حفظها في أدراج مجلس النوّاب، مع ضرورة تطويرها لتتواءم مع تحديّات المرحلة القادمة. وإلا سيعلن «حزب الله» كونفدراليّته كي لا يصطدم مع مجتمع إقليمي يصرّ على عروبة لبنان، ودوليّ يصرّ على سيادته واستقلاله. وبذلك يكون قد حفظ لنفسه حقّه في بناء دولته وهويّته الثقافيّة والحضاريّة مستقلاً عن الهويّة اللبنانيّة الجامعة للتعدّديّة والتي يكون قد نجح بإخراج مجموعته الحضاريّة منها. أين متشدّقو محاربة الطائفيّة السياسيّة، ومطالبو إقرار الزواج المدني وحقوق المثليّين، وحماة البيئة، وموقّعو تفاهم مار مخايل، ومتنازلو السابع من أيّار، ومهادنو السلاح بحجّة السلم الأهلي، ومدافعو المركزيّة السياسيّة ممّا يعدّه حزب الله للبنان؟