كان ذلك صبيحة الأحد التاسع من حزيران 2013، عندما وصلت مجموعة صغيرة من الطلاب المدنيين المسالمين في حافلة الى الباحة القريبة من السفارة الإيرانية في بئر حسن، في الضاحية الجنوبية، بعد أن حصلوا على تصريح من وزارة الداخلية يسمح لهم بالتظاهر لمطالبة «حزب الله» بالإنسحاب من سوريا وبرفع إيران يدها عن لبنان. لكن ما إن نزل هؤلاء الطلاب من الحافلة حتى اقترب منهم رجال يحملون مسدّسات، يرتدون ثياباً سوداء ويلفون حول أذرعهم عصبات «حزب الله«الصفراء، وبدأوا بالاعتداء عليهم بواسطة الهراوات. بعدها تطورت الأمور وبدأ المسلحون بإطلاق النار، فكان أن سقط هاشم السلمان شهيداً.
اليوم تحلّ الذكرى الثالثة لاستشهاد الشاب هاشم السلمان الذي قضى قتلاً برصاص عناصر من «حزب الله» وحرّاس السفارة الإيرانية في منطقة بئر حسن منذ ثلاث سنوات، أثناء تظاهرة أراد أن يُعبّر خلالها مع مجموعة من رفاقه عن رفضه لما يجري في سوريا وتحديداً إنغماس الشباب الشيعي فيها، لكن رصاصات ثلاث كانت كافية بأن تضع حداً لحياة شاب آمن منذ نعومة أظافره بوطن حر غير محتل ولتُنهي حياته في حفرة يُسمع من داخلها عبارة لطالما رددها في حياته «أنا خلقت حرّ وبدي عيش حرّ ورح موت حرّ«.
أراد أن يقول لهم لا لفتنتكم ولا لقتلكم شبابنا وأحلامنا وطموحاتنا، لكنه لم يسمع غير صوت الرصاص الذي اخترق جسده إجابة عن سؤاله. على مرأى من الجميع ظل هاشم الجريح ينزف لفترة تزيد عن أربع ساعات من دون ان يتجرأ أحد على إنقاذه خوفاً من حرّاس السفارة الإيرانية وعناصر الحزب الذين كانوا يمتشقون سلاحهم وكأنهم قد توزعوا على جبهات حرب، إلا أن «عدوهم» لم يكن سوى شاب لا سلاح يحمله إلا صوتاً مخنوقاً كان يصدح في الأرجاء يُنادي بالحرية ويُطالب برفع الظلم والقهر.
القتل هو جزاء كل من يحاول الاعتراض أو رفع الصوت أو حتّى التعبير عن الوجع. هو مبدأ «حزب الله» وحليفه الايراني والتاريخ يشهد في كل صفحة وصورة على أن كم الافواه حتى القتل، كان الممارسة الوحيدة للتخلص من الخصوم. صورة القاتل والمعتدين وصوت الرصاص وعصي عناصر الميليشيات جميعها أدلة كافية لتوجيه الاتهام الى عناصر الحزب وحراس السفارة. أحد الطلاب سأل يومها :ماذا فعل هاشم لكي يُقتل؟ وهل كان ينوي تفجير نفسه بالسفارة من خلال حزام ناسف هو العلم اللبناني الذي كان يلفه حوله؟ حتى عدوى مقتل المطلوبين بجرائم قتل من «حزب الله»، إنتقلت بدورها إلى قتلة السلمان، فبعد استهداف السفارة الايرانية بتفجيرين انتحاريين، أشاع مقربون من «حزب الله» بأن قاتل السلمان قد قضى في الحادثة المذكورة.
حول البعد القانوني للقضية يقول شقيق هاشم، فادي السلمان ان «هناك صوراً قُدمت للمعنيين وتحديداً للقاضي المعني بالقضية، وفي المخفر طالبوا بالقرص المدمج الذي يحفظ الصور أملاً منهم بأن يكشفوا المصدر، فرفضتُ. قمنا بتكبير الصور والوجوه كانت واضحة كعين الشمس وطلبنا منهم أن يلاحقوا هوياتهم وأن يسألوا مركز «حزب الله« في المنطقة وأن يطلبوا الصور من السفارة الإيرانية«. لكن الردّ كان على الشكل التالي: في مركز الهويات لم يتمكنوا من التعرف الى أي منهم، ومركز «حزب الله« لم يُجبهم حتى اليوم، وأما السفارة الإيرانية فقيل لنا إن طلب الصور بحاجة الى إجراءات ديبلوماسية، فيما لم يواجهوا هذه المشكلة مع السفارة اليمنية التي قدّمت الصور فوراً، على الرغم من بعد المسافة«.
أمّا شقيقته رولى فتقول: «قتلوه بدم بارد على مرأى الجميع، ويا لقسوة قلوبهم لحظة بدأوا بركله وهو يسبح بدمه على الأرض من دون ان يتجرأ أحد على نقله إلى المستشفى أو استدعاء الإسعاف، خوفاً من «حزب الله» وحرّاس السفارة الإيرانية. أحمّل دم اخي للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله. هو يعلم جيداً من قتل أخي وهو يحميه كما يحمي بقية القتلة الذين ارتكبوا جرائم قبل جريمة قتل هاشم وبعدها. لن أسامح «حزب الله» ولم أتقبل التعازي منذ ثلاث سنوات بإنتظار تسليم القاتل للعدالة«.
بالعودة الى يوم الجريمة، تقول رولى «يومها كنت أشاهد عبر شاشة التلفزيون احدى التظاهرات في «ساحة الشهداء»، لكن خبراً عاجلاً لفت إنتباهي يقول «إصابة طالب بالرصاص امام السفارة الإيرانية». في تلك اللحظة شعرت أن هذا الطالب هو هاشم«. المفارقة انه وقبل يومين من إستشهاد هاشم، كان قد اخبر شقيقته أنها سوف تسمع قريباً بخبر سوف يهزّ الدنيا. «لقد هزّني رحيلك يا أخي، يا من تربيت يتيم الأم ومت غريباً على أبواب المأجورين والقتلة من دون ان يهز لهم رمش».
وتختم: «لن نتخلّى عن دماء هاشم. هذه دماؤنا ولن نبيعها. «حزب الله» قتلنا ويتّمنا بقتله هاشم. ضع نفسك مكاننا يا سيد حسن. أعلم أنكم لن تُجيبوا عن أسئلة ما زلنا نطرحها عليكم منذ ثلاث سنوات. مشروعكم إيراني فارسي، ومشروعنا وطني لبناني.. وسننتصر بدماء هاشم وجميع الأبرياء الذين قتلتوهم».