Site icon IMLebanon

لبنان يتجه إلى تشريع “النفط الأخضـر”

 

نقاش في أروقة البرلمان وهيئة ناظمة للحشيشة!

 

جاء “تشريع الحشيشة” كتطورٍ خارج الحسبان، وفي توقيت حسّاس لمصلحة الحكم الذي أعلن عن تنقيب النفط الأسود من جهة، وطرح من خلال نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي تشريع “النفط الأخضر” أو “القنب الهندي” من جهة أخرى. واليوم، يلوح في “الحشيشة” أمل الخروج من الأزمة الإقتصادية إذ تحوّل الجدل السابق عن الزراعة المحظورة إلى نقاشٍ في أروقة البرلمان، أخذ مساراً رسمياً لتحويل الحشيشة من مخدر ممنوع ومُحارب شكلياً، إلى علاج مرغوب به.

حتى اللحظة، أقرت اللجان مجتمعةً في جلسة مشتركة في مجلس النواب بأكثرية ساحقة، اقتراح القانون الرامي الى الترخيص لزراعة نبتة القنب للاستخدام الطبي والصناعي فقط، وما زالت الأمور تخطو أولى خطواتها القانونية تمهيداً لإقراره في الهيئة العامة للبرلمان. ومع ذلك استولى الموضوع على المشهد السياسي، إلى حد أن مسألة احتمال التوجه إلى “صندوق النقد الدولي” صار بالمقارنة قضية أقل أهمية، إلا أن هذا التوجه المتفائل يسقط في واقع الضعف الرقابي والتنظيمي في البلاد وانعدام الثقة بقدرة الدولة على التنفيذ وعدم ادخاله في أطر المحاصصة السياسية والطائفية المعهودة.

 

ليست “ريجي”

 

ويؤكد النائب ياسين جابر لـ”نداء الوطن” أن “كل التخوفات من الاحتذاء بنموذج “الريجي” لإدارة زراعة وتجارة التبغ في زراعة القنب الهندي هي باطلة، ولا داعي للقلق من هذه الناحية ولن يتحول المزارع إلى عامل مأجور يخضع لمصالح الشركات والملاك الكبار بل سيختلف الأمر كلياً”. ويشرح “فالريجي مثلاً هي التي تشتري من المزارع وتتحكم إدارتها الخاصة بضوابط الزراعة حيث لا مجال مفتوحاً أمام المزارع بالنسبة إلى التجارة وتسويق وتسعير محصوله إلا عبرها بسبب احتكارها اعطاء الرخص. أما المقترح في طيات القانون هو وجود “هيئة ناظمة” تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين المادي والإداري تعطي التراخيص للمنشآت ولديها صلاحيات الرقابة والإشراف على أنشطة الزراعة، بالإضافة إلى اعتماد سلطة الوصاية على هذه الهيئة وهي رئاسة مجلس الوزراء وليس وزارة الزراعة أو الصحة كما كانت في مسودة القانون” وهنا تجدر الإشارة أنه كانت هناك مخاوف لدى بعض الكتل النيابية السابقة من تفرّد حزب واحد، الذي يحكم وزارة الزراعة أو الصحة، بالتحكم باعطاء التراخيص فتم تعديل القانون إلى أن تكون سلطة الوصاية رئاسة مجلس الوزراء”.

 

وأكمل “سيتولى السلطة التقريرية في الهيئة مجلس إدارة مؤلف من سبعة أعضاء يعينون في مجلس الوزراء ويمثلون كلاً من وزارة الزراعة، الصناعة، العدل، أما من وزارة الصحة فيعين رئيس دائرة المخدرات ومن وزارة الداخلية يعين رئيس مكتب مكافحة المخدرات، ومن اختصاصيّين اثنين في موضوع النباتات الطبية والصناعات الصيدلانية في ولاية مدتها خمس سنوات غير قابلة للتجديد باستثناء ممثلي وزارتي الصحّة والداخلية المرتبطين حكماً بالموقع الوظيفي”.

 

مشكلة التراخيص

 

في النقطة الخامسة من المادة 18 للقانون وتحت عنوان “الشروط المؤهلة لطلب الترخيص” على المزارع “أن لا يكون محكوماً بجنحة أو جناية شائنة عملاً بأحكام قانون العقوبات اللبناني أو بجرم مخدرات بمفهوم القانون 98-673 أو بجرم تبييض الأموال عملاً بالقانون اللبناني ذي الصلة” أي أن المزارعين الحاليين لن يكونوا مؤهلين لأنهم يحتاجون إلى سجل عدلي نظيف وهو أمر صعب جداً لا بل قلّة قليلة من المزارعين التقليديين لنبتة الحشيشة غير محكومين قضائياً بجنحة أو جناية وبالتالي هناك استبعاد للمزارعين الحاليين من معادلة “ارجاعهم إلى كنف الدولة” أو إعطائهم فرصة التجارة والزراعة الشرعية لنبتة القنب الهندي. وحول المسألة، يقول أحد المزارعين البقاعيين لـ”نداء الوطن”: المزارع اليوم يعطي التاجر ولا يستفيد من زراعته بشكل كبير وأغلب التجار هم المحكومون وليس أغلب المزارعين ولكننا نفضل لو تحذف هذه المادة من القانون كلياً لأننا كمزارعين للقنب الهندي كوّنا معارف وأقمنا علاقات مع تجار لديهم “واسطة حزبية” في المطار والمرفأ و”لن تضبط عملية التجارة بوجود هذه المادة في القانون بل كل ما في الأمر سيكون هناك خط شرعي وخط لا شرعي للتجارة وتصدير هذه السلعة، ولتنظيم وقوننة هذه الزراعة على المشرّعين حذف هذا الشرط لأن المزارع يريد ربحاً في نهاية المطاف والتاجر غير الشرعي سيدفع أكثر ولديه خبرة ما لا يقل عن العشر سنوات في هذا المجال ولديه ناسه وطرقه ومستهلكوه”.

 

هذا وقد أشار جابر فقط إلى أن هناك مادة تقول “على أنه يحق لمن أعيد اعتباره بموجب قرار قضائي الحصول على ترخيص وفقاً لأحكام القانون” وأن المزارع سيستطيع الزراعة من دون أن تصدر مذكرات جلب بحقه وأن التراخيص ستكون متعددة وغير محصورة فقط بالزراعة والحصاد بل سيكون هناك أيضاً تراخيص “لاستيراد البذور والشتول، للتصنيع، للتصدير، للنقل والتخزين، للبيع والتوزيع، لاستيراد المواد الكيميائية القياسية، انشاء مشاتل، وترخيص لإنشاء مراكز الأبحاث والمختبرات” ويتم البت بقرار اعطائها من عدمه في قرار معلل وفي مدة لا تتعدى الستين يوماً ولمقدم الطلب المرفوض أن يراجع أمام الهيئة استرحاماً خلال أسبوع.

 

كرة نار

 

وأضاف جابر “أتى التوجه نحو قوننة هذه الزراعة بتوصية صدرت عن شركة “ماكينزي” للإستشارات الإقتصادية في بادئ الأمر وعندما سُلّمت الملف ضقت ذرعاً من الأمر وشعرت أنه وضع بين يديّ “كرة نار” بعد أن تحول الموضوع إلى “نكتة الموسم” على وسائل التواصل الإجتماعي حينها، بعدها قمت بإجراء ورشات عمل واسعة لحوالى الخمسين نائباً حاضر فيها دكاترة مهمون كالدكتور محمد فرّان وغيره إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من إجماع أكثرية عليه ولكن تبقى العبرة في حُسن التطبيق”.

 

وتابع “أرى في المسار لمحة ايجابية ودخول زراعة جديدة فللبنان قدرة تفاضلية وتنافسية في زراعة القنب الهندي، تفاضلية من ناحية أن أراضينا جافة بالقدر المناسب وتنافسية من ناحية النوع الممتاز الذي ننتجه ولرافضي هذا القانون أقول ان هذه الزراعة ستساعد وزارة الزراعة على دعم زراعات اخرى كالزيتون الذي يحتاج من الوزارة دعماً سنوياً لا بل سيخفف من الزراعات الأخرى التي ترمى بين الحين والآخر في الاحتجاجات لعدم القدرة على تصريفها بخاصة في ظل اعتماد سياسات الباب المفتوح على الواردات الزراعية المنافسة للمنتجات اللبنانية كالبطاطا والبندورة وتراجع الحماية الجمركية بما سمح بإغراق السوق”. وختم “سيفتح هذا القانون ان تم و”مرق على خير” الباب أمام عدة قطاعات وسيدخل إلى لبنان مستوردو الشتول والبذور بهدف تأصيل الشتول، المختبرات لتتأكد من نوعية الزراعة، مزارعون جدد، شركات النقل والتخزين، كما ستفتح مصانع لاستخراج المواد الأولية، ومجال لجذب معامل الأدوية ومعامل النسيج”.

 

رفض صوري لـ”حزب الله”

 

تداول خبر انسحاب نواب كتلة “الوفاء للمقاومة” من اجتماع اللجان بعد أن أبدى النائب حسين الحاج حسن ملاحظاته على الاقتراح وتركوا جهات أخرى موالية لهم كحركة أمل تقوم بالمهمة في إشارة يُحكى أنها “لعبة تبادل أدوار” ورفضاً صورياً كي يحافظ الحزب على صورة “الحرام والحلال” ونفي ارتباطه بالصورة العامة، فيما أنه بالواقع يحتكر تلك الزراعة. فللحزب باع طويل مع الحشيش والإتجار فيه، وتاريخياً تُعد منطقة سهل البقاع أو سلّة الحشيش في الشرق الأوسط أحد معاقل “حزب الله” حتى إن أباطرة تجار المخدرات في المنطقة وعلى رأسهم نوح زعيتر المطلوب بمئات مذكرات التوقيف معروف بدعمه العلني للحزب والذي نادى مسبقاً “إذا شرعتم القنب الهندي لمدة ستة أشهر، سأسدد كل ديون الحكومة”!

 

ثم جاء التباين والتعارض بين أفعال الحزب وأقواله، ليفاقم عدم الثقة ويضاعف البلبلة، خليط كانت ترجمته ترحيب المزارعين البقاعيين بالقانون الموعود لتنمية منطقتهم المنسيّة، عدا أيام الإنتخابات طبعاً.

 

فرحة أهل البقاع

 

تفترش الحشيشة مساحات واسعة من الأراضي الجردية في أراضي البقاع الشمالي، على مرأى المسؤولين السياسيين والأمنيين والشعب على مبدأ “على عينك يا تاجر” كما توقفت القوى الأمنية عن إتلاف الحشيش في السنوات الأربع الأخيرة لأسباب مجهولة، وبحسب أحد المزارعين في المنطقة “كانت تعطي مفعولاً عكسياً وترفع سعر السلعة أكثر بدل ضبطها”. وفي العام الأخير من عمليات الإتلاف سنة 2016 حجزت قوى الأمن الداخلي اللبنانية 7,5 اطنان من الحشيش وفي 2012، هوجمت جرافات الجيش اللبناني التي جاءت لتتلف الزرع في البقاع بقاذفات الصواريخ!

 

وفي لمحة تاريخية قصيرة كانت هذه الزراعة أثناء حرب لبنان الأهلية، تشكل مصدر دخل أساسي لجميع الميليشيات المشاركة في الحرب آنذاك بعدها سيطر الجيش السوري في احتلاله للبنان بين 1990 و2005 والذي كانت تتركز قواته في سهل البقاع، على عملية زراعة وتجارة الحشيش وكان الحصول على منصب عسكري في بعلبك يمثل “فرصة للثراء”.

 

أما حالياً وفي ظل غياب دعم الدولة للمزارعين يقول الأمين العام للعلاقات العامة في اتحاد النقابات الزراعية في لبنان علي شومان لـ”نداء الوطن”: “هي فرحة أهل بعلبك الهرمل الذين يعانون منذ سنوات عدة ينتظرون اسقاط صفة المنع عن الحشيشة وإقرار القانون وتشريع زراعتها للأغراض الطبية والتي ستغير واقع المنطقة المحرومة من انتباه السلطة ومن واقع لبنان كونها تدر ما يقارب المليار و200 مليون دولار في حال زرعنا مئة الف دونم، فمساحة الأراضي المزروعة في البقاع تقدر بحوالى أربعة آلاف هكتار ستزيد حتماً ومردودها أفضل من أي زراعة اخرى ونسميها نحن المزارعون بالنبتة “المبروكة” بما أنه لا متطلبات لها وفيها بركة المال عند المبيع كما أنها لن تحصر جغرافياً بمنطقة البقاع” ويشدد شومان أنه لن ينخفض السعر وتصلح للإستعمال الطبي وليس كما يروج البعض أنها أفضل للإستهلاك الشخصي ويقول: “يخاف البعض ان تسحب السجادة من تحت أقدامهم وأن تقونن الزراعة فيتلطون خلف حجج الجدوى الإقتصادية وأن المزارع سيخسر وليس في اعذارهم سوى كلام فارغ من المنطق وتخوف واضح من خسارتهم للنفوذ ومصادر الأموال اللاشرعية. كلفة زراعة القنب الهندي هي الأرخص مقارنة بالدول الأخرى وأقول لمن يزعم أن المساحات التي ستزرع تتجاوز بأضعاف الحاجة الفعلية للإستخدامات الصيدلانية “أن على النبتة اللبنانية طلب غير مسبوق ولدينا قدرة تنافسية عالية يمكنها أخذ البلاد إلى مستوى آخر إلى حد حصرها بنا فكفاكم وقوفاً ضد المصلحة الوطنية ومصلحة أهل الهرمل”.

 

وفي هذا السباق بين الديون والتنقيب عن الغاز وتشريع زراعة «القنب الهندي» يلفظ المواطن اللبناني أنفاسه الأخيرة.