لطالما أرسلنا الصيحات والإستغاثات الحارة مطالبين من بقي في مسؤولية الإمساك بمقاليد هذا الوطن ومصالح أبنائه الطائعين والمنتفضين في الوقت نفسه، ومنذ أواخر العام الماضي، على ما حلّ بهم من كوارث ومصائب أدت إلى ثورتهم العامة وتجسّدها بجملة من المظاهرات والمصادمات والمطالب الداعية بإلحاح ثوري إلى الوقوف في مواجهة موجات الجوع والبطالة والتشرد في بلادهم ومدنهم وقراهم بحثا عن مواطنة حقيقية ترعاها دولة سليمة معافاة من كل دنس طاول مسؤوليها وأزلامها الذين ما تركوا وسيلة احتيالية إلا واخترعوها لنهب أموال الدولة وقوت الناس وأرزاقهم ومستقبل أولادهم الساعين منذ الآن إلى إيجاد مرقد عنزة لهم في أي من بلاد العالم الواسعة وأطفالهم المرشحين لأكثر من سبب للمكوث خارج إطار مدارسهم التي تكاد أن تصبح في خبر كان، وليكون الجميع تحت رحمة الأمراض المستشرية بما فيه أخطرها بامتداداته السرطانية، وحديثا بهجمات الكورونا على حشود المواطنين جميعا دون تفريق بين المناطق والمذاهب والأشكال والأنواع، ودون رعاية كافية من الدولة التي سلّمت أمورها ولو شكليا، إلى حكومة جديدة ما زالت في مرحلة الحضانة في الخبرة والهمة، والتوجه إلى أهداف الإنقاذ والخلاص الحقيقية، نجد مع مطلع تسلّمها للسلطة، أن عيونها تنظر إلى الإتجاه الخاطيء والبعيد عن الرغبة الصحيحة والسليمة في إطلاق البلاد والعباد من قمقم المظالم التي ما زالت تمسك بالخناق العام وتشدّ به إلى درجة لم تعد محتملة. من هذا المنطلق، لنا ملاحظتان:
الأولى: ….. باكتشاف بارود انقاذي جديد من شأنه رفع الضائقة الإقتصادية عن لبنان متمثل بتشريع زراعة « القنب» وهو تعبير فيه كثير من التلطيف لكلمة زراعة «الحشيش» ذات الأبعاد المفسدة لحياة الناس والمطلقة في أجواء الخيال والإسترخاء والغوص في مسالك اللاوعي والهروب المصطنع من حقيقة الأوضاع القاسية. وهكذا، اكتشف المجلس النيابي، كما هذه السلطة الوافدة إلينا حديثا في أوائل تصرفاتها الإنقاذية للبلد وأهله واقتصاده وحياة مواطنيه ايصالا لهم إلى عيش هانيء كريم، اكتشفت ما هو معروف ومشهور في بلادنا: القنب أو الحشيش المعروف لدينا حتى الآن كوسيلة من وسائل الإدمان المتغلغلة بين جموع معينة من المواطنين، خاصة في بعض المناطق التي اعتادت زراعة هذه النبتة وعرف بينها ومنها، تجار بارعون، صدرت بحق الكثيرين منهم جملة من الأحكام القضائية الرادعة.
إن كل الحلول المطروحة على السلطة اللبنانية من الداخل ومن الخارج، وإن الإصلاحات الجذرية المطلوبة من دول العالم بما فيه العالم العربي، وإن كل الحلول المتيسرة منذ أمد طويل، أقله منذ مجيء هذا العهد القائم وتسلمه مقاليد البلاد والعباد برعاية وحماية حاكمه المطلق القادم إلينا بمبادئه وطموحاته الإقليمية، من بلاد بعيدة، وإن ما اقترحته علينا الدول الممولة في مؤتمر سيدر من وجوب اتخاذ إجراءات تمنع النهب والسرقة والإدارة المشبوهة فضلا عما يفرضه علينا المنطق الإصلاحي السليم القاضي بلملمة آفة الفلتان الكهربائي، ومهزلة الأملاك البحرية وترك الحدود مفتوحة على الغارب وجمارك المرفأ والمطار المشرعة الأبواب والنوافذ خصيصا لتكوين ميزانيات مليشياوية رديفة، وأمور عديدة كان بالإمكان التوجه إليها لجباية ما أمكن من حقوق الدولة والناس فيها منعا من تدهور الوضع المالي والإقتصادي وفقا للأحوال الحالية المخيفة، كل ذلك وسواه كثير، لم يستلفت حتى الآن نظر الدولة وحكومتها المستحدثة ونظر السلطات الحاكمة والنافذة والممسكة بكل مفاتيح السلطة والحكم والتحكم، وكان من حظ زراع الحشيشة، حيث حل اقتراح اعتمادها وتشريعها ورفع الحرم عنها واطلاقها سندا اقتصاديا أساسيا، وهي ستكون بعد الآن مضبوطة من سلطة لا تعرف الضوابط إليها سبيلا، وقد خربت البلاد والعباد لأنها لا تعرف معنى للضبط والمضبوطات، حشيشة بأيادي الفلتان العام والفالتين في كل اتجاهات التحشيش، له بعض الإيجابيات الطبية دون شك، ولكن ماذا عن أوضاع اجتماعية واسعة الانتشار لا يعنيها «القنب» إلاّ في تجارة الحشيش واستعمالاته الكيفية المختلفة، في أوساطنا العامة المصابة بالفلتان والهريان، ستصمد تجارة الحشيش وستصمد معها الإستعمالات الكيفية المختلفة.
ملاحظة ثانية: متعلقة بتصريح لمعالي وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي خلال لقائه للرئيس التونسي في قصر قرطاج وإلقائه كلمة في مؤتمر مجلس وزراء الداخلية العرب الذي عقد في تونس والذي لفت فيه إلى التحديات الإقتصادية والنقدية والمعيشية إضافة إلى السياسية والأمنية والبيئية والتي تقع جميعا على عاتق الحكومة اللبنانية الجديدة، وهي فعلا لا قولا حكومة كل اللبنانيين، مادّا يده إلى أشقائه العرب، الذين لم يتخلوا عن لبنان يوما ولم ننسى ولن ننسى ما قدمتموه له فهو جزء لا يتجزأ من هذه الأمة، إن اللبنانيين يتطلعون إلى ايجابيات جمة لمستقبل لنا في كنف عائلته العربية.
هذه الملاحظة موجهة إلى أولئك الذي لا يتذكرون البلاد العربية المختلفة إلاّ في أحوال اشار لها معالي وزير الداخلية مشكورا والمختصرة في كلماته أعلاه.
ولكن، ماذا عن الممارسات الحقيقية للسلطة اللبنانية والحكام الفعليين لهذا البلد المنكوب، ماذا عن المسبات والشتائم التي توجه إلى البلاد العربية والحكام العرب وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج العربي ؟ ماذا عن سياسة النأي بالنفس والانكفاء عن غزو أنحاء واسعة في العالم العربي بذرائع تبريرية لا تنسجم مع الحقيقة والواقع، وهي مجرد أعذار تلجأ إليها بعض الجهات الإقليمية والمحلية للسيطرة على مناطق معينة من هذا العالم العربي الذي يدعو معالي وزير الداخلية بالأمس إلى سؤال خاطره ودعوته إلى خطوات إيجابية بحق لبنان، ملاحظات من فج وغميق نختصرها باثنتين مفصلتين أعلاه، دون أن ننسى الكورونا التي تجتاح العالم كله دون استئذان، لتكون حياة اللبنانين جميعا معرضة للمخاطر… وبينها دون شك… تلك الكورونا «الطاحشة» بنا وعلينا.